موازنة التقشف والضرائب ... من يحاسب؟! ـ أحمد زين الدين

الأربعاء 22 أيار , 2019 11:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أكثر ما يلفت في المجرى العام لطريقة بحث مجلس الوزراء في الموازنة العامة للدولة لعام 2019، هو كثرة التصريحات ونفي ما تحركت من أجله قطاعات مختلفة من اللبناننين، كالمتقاعدين، والموظفين، والجمارك وهلمَّ جرا.

وفي كل الحالات، كأن هناك استغباء للمواطنين، لأن الجميع يعرف، أن كل ما جرى الحديث عنه من اقتطاعات ضريبية من الموظفين والمتقاعدين، كان وارداَ، وجرى رميه كحالة جس نبض لمعرفة ردود الفعل التي فاجأت بشمولها واتساعها أصحاب القرار الذين تسابقوا على نفي هذا الأمر، وحاولوا تغطيته بالحديث عن اقتطاعات ضريبية أو تخفيض رواتب المسؤلين، من رؤساء وزراء ونواب، وفي ذلك نوع من حركة التفافية، على حالة التذمر الشعبي التي طغت على كل الأحداث، فاكتشف المعنيون أن في المجرى السياسي العام لهذا السلوك الضريبي والتقشفي، خسائر شعبية، ستترك ندوباً لن تمحى بسرعة.

وعليه كانت حركة الإلتفاف على حركة المتقاعدين والموظفين، بتطويل مدة التقاعد المبكر للعسكريين وخفض المساعدات والعلاوات، وتجميد التوظيف، وتصغير فترة الإجازات السنوية وغيرها..

كما كانت زيادة الضريبة على القيمة المضافة، التي ستطال الكثير من جوانب الحياة بما فيها حتى الأركيلة، والدكاكين التي قد يجد الكثير من أصحابها أنفسهم أمام مأزق، لا يعرفون كيف يتعاملون معه، مما قد يضطرهم لإقفال حوانيتهم، وذلك يصب في الطبع في مصلحة المؤسسات الاستهلاكية الكبرى (المولات والسوبرماركات وغيرها...)، مما يعني استهداف المؤسسات الصغيرة والحرفية.

كثيرة الأبواب والمداخليل الضريبية التي يجري الحديث عنها، لمواجهة عجز الخزينة وارتفاع المديونية العامة، التي سبق للرئيس سليم الحص (اطال الله في عمره) أن حذر من عواقبها الوخيمة والخطيرة والمرضية منذ العام 1999، لكن النهج السنيوري هو الذي انتصر في النهاية منذ الإنقلاب الذي احدثته نتائج انتخابات عام 2000، التي اوقفت مشروع المحاسبة واسترداد المال العام المنهوب ومحاسبة المرتشين والراشين وهلمَّ جرا، وطوقت ومنعت أي امكانية اصلاح ومحاسبة كان يريدها الرئيس الأسبق إميل لحود.

وإذا كان البحث في الموازنة الجديدة يتركز على كيفية مواجهة المديونية العامة وعجز الخزينة المتفاقم، من خلال البحث عن ابواب ضريبية جديدة، والمزيد من التقشف الذي يطال الموظفين، وخصوصاً ذوي الدخل المتوسط والمحدود والاجراء، إلاَّ أنه لم يلحظ أي خطة تنموية على شتى المستويات الانتاجية، كالزراعة والصناعة، واعادة الألق والاعتبار إلى المدرسة الرسمية والجامعة الوطنينة، وتعزيز الاستشفاء الحكومي وتطوير وسائل النقل العام، وتعزيز مؤسسات الرقابة والمحاسبة واستقلالية القضاء، لأنه يبدو، أن أخر هموم الطبقة السياسية هو تركيز التنمية على الإنسان الذي يفترض أن يكون أساس التنمية وهدفها.

والخلاصة أن ثمة العديد من اشكال الضرائب الجديدة التي سترهق كاهل المواطنين دون أن يتم الإقتراب من مفاصل الفساد الذي تأصل في البلد منذ العام 1992، وجنى من خلاله سياسيون ومسؤولون المليارات، ولعل أول خطوة في مسيرة الألف ميل للإصلاح، استرداد جزء من الأموال المنهوبة، سواء عبر المشاريع التي تم تنفيذها، وكلفت أضعاف أضعاف تكاليفها الحقيقية، أو عبر استرداد الأملاك البحرية والنهرية والمشاعات والأراضي الأميرية وهلمَّ جرا من الأمور المشابهة، والتي تحفل الادبيات السياسية بالحديث عنها.

أخيراً، هل ستضع الموازنة العامة الجديدة خطة إصلام حقيقية؟

بالطبع لا، لأن أصبع الحكومة لم يوضع على الجرح الحقيقي، بوقف الهدر والنهب وخلق الادارات الرديفة واختلاق ابواب جديدة لمزيد من التوظيف السياسي، مثل خلق المحافظات، والهيئات الرديفة والناظمة. 

وقد يكون مفيداً هنا الإشارة بالغة الدلالة التي اوردها النائب العميد شامل روكز على "تويتر" بقوله:

تقشفوا في سياراتكم ومواكبكم، تقشفوا بقصوركم ويخوتكم، تقشفوا بالصفقات التي تعقدونها "على ظهر هذا الشعب المسكين"، تقشفوا بسفاراتكم ورحلاتكم واستجمامكم، تقشفوا بالإعفاءات الضريبية التي تمنحونها لنفسكم ولشركائكم.

حمى الله لبنان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل