موازنة الثأر ـ عدنان الساحلي

الجمعة 19 نيسان , 2019 10:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام لثبات

يؤكد اللبنانيون يوماً بعد يوم قناعتهم بأنهم في "كباش" حقيقي مع حكومتهم حول لقمة عيشهم وبالتالي حول كرامتهم. وان  من يمسك قرار البلاد، الإقتصادي تحديداً، يخوض ضدهم معركة إنتزاع قرارهم السياسي والوطني، لإجبارهم على خيارات لا يقبلونها في ظروف يتمتعون فيها بلياقتهم الإجتماعية والإقتصادية.

تشهد تحركات الشارع اللبناني ووسائل التواصل الإجتماعي على إحتجاج لبناني واسع على السياسة الإقتصادية والمالية المتبعة، التي ادارت البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، فخربت الإقتصاد بحجة إعادة ما دمرته الحرب. وبدل الإعمار والبناء جرى نهب البلد وافقاره وشنت حرب على "ليرة" اللبنانيين قادها "المتمول الأكبر"، قادت لبنان نحو الغرق في دوامة ديون تفوق طاقاته،  في ظل خطاب معلن حينها بأن إنضمام لبنان إلى قافلة منفذي السياسة الأميركية في المنطقة، القافزين فوق فلسطين والحقوق العربية باتجاه التعاون والتحالف مع العدو "الإسرائيلي"، سيكفل إيفاء تلك الديون. وعندما برزت "عقبة المقاومة" في وجه هذا المشروع جرى التآمرعليها وما عدوان تموز 2006 إلا جزء من هذا التأمر، الذي فشل حينها لكنه لم يسقط المشروع ولا أدواته، فجرى الإنتقال إلى ضرب سورية وتخريبها لحصار المقاومة والتخلص منها.

يشعر معظم اللبنانيين أن أصحاب القرار الإقتصادي يعاملونهم بحقد وبروح إنتقام غير مبررة. وكم هي لافتة دعوة الكرسي البطريركي الماروني مؤخرا "إلى صحوة ضمير لدى المسؤولين"، فمن راكم على لبنان ديوناً تزيد على المائة مليار دولار، بحاجة إلى دعوة لصحوة ضمير، لا إلى عقد مؤتمرات آخرها "سيدر" لاستجلاب المزيد من الديون لتغطية سرقات وثراء الحاكمين وأتباعهم، في وقت بات لبنان فيه عاجزاً عن الإيفاء بفوائد هذه الديون.

ويرى كثيرون أن "القرار الإقتصادي" يضع نصب عينيه الثأر منهم، تزامناً مع الحرب الأميركية التي تشنها أميركا على المقاومة ومن يؤيدها. وأن "القوى العميقة" في السلطة اللبنانية التي لم "تبلع" بعد نتائج الانتخابات النيابية التي جرت العام الماضي وانتزعت فيها الأكثرية النيابية من جماعة جون بولتون، تعمل على تخطي نتائجها بكل السبل؛ وتريد الاستمرار في سياسة إضعاف لبنان وسلبه مصادر قوته، لضمه ولو بالإرغام إلى طابور الخاضعين للسياسة الأميركية في المنطقة، المطبعين سراً وعلانية مع العدو الصهيوني التزاماً ب"صفقة القرن" التي انجزها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية ويؤكد صهر الرئيس الأميركي رونالد ترامب، الصهيوني اليهودي جاريد كوشنير، أن إعلانها سيكون بعد شهر رمضان المبارك، لشطب القضية الفلسطينية بالكامل وإقامة تحالف عربي- "إسرائيلي" ضد محور المقاومة. ويتم إرغام لبنان على الدخول فيه عبر خنقه إقتصادياً وتكبيله بالمزيد من الديون التي باتت مشروطة بافقار اللبنانيين، خصوصاً محدودي الدخل، عبر سلسلة "إصلاحات" تفاقم في عوز الفقراء وتضخم ثروات الأغنياء. وإلا كيف تفسر الهجمة الفاشلة حتى الآن، على رواتب موظفي الدولة، في وقت تطالب فيه شركات كبرى وبنوك تعود ملكية بعضها لرئيس الحكومة، باعفائها من دفع غرامات تأخرها عن دفع الرسوم المتوجبة عليها خلال عقد كامل مضى.

والأهم، أن خبراء الشأن الإقتصادي يؤكدون أن كل الإجراءات التي يجري التداول بها، لا قيمة ولا مفعول جدياً لها ما لم يتم وقف الهدر والسرقات وعقد الصفقات بالتراضي لصالح هذا المتعهد وذلك المستثمر، ممن يعملون في الباطن لصالح هذا المتزعم أو ذلك المسؤول. وحسب أرقام الحكومة ذاتها، فإن ثلث الموازنة العامة يذهب لتغطية فوائد الدين العام؛ ونحو ثلث آخر لتغطية العجز في تمويل كهرباء لا تصل إلى المواطن؛ ويبقى ثلث واحد لتغطية مصاريف الدولة وإجهزتها والرواتب. والحل يكون بكف أيدي مافيا الكهرباء وتجار الفيول والمحروقات عن "القرار الكهربائي"؛ وبخفض كلفة الدين العام بالتوقف عن الإستدانة أولاً وبخفض أرباح المصارف من ديونها للدولة وهي التي ضاعفت رأسمالها عشرات المرات، منذ أن بدأت تديّن الدولة. ثم بوقف التوظيف العشوائي في الإدارة وإقفال أبواب الهدر وخفض الرواتب الخيالية، التي يتقاضها المستشارون والنواب والوزراء وبعض كبار الموظفين. ساعة إذ يمكن إقناع المواطن اللبناني أن حكومته لا تشن حرباً عليه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل