في رحاب اليوبنان – الجزء الثالث.

الخميس 18 نيسان , 2019 12:01 توقيت بيروت مقالات مختارة

الثبات ـ مقالات مختارة

لم يتسنّ لي متابعة المناقشات البرلمانية اليونانية خلال العقدين السابقين لوصولنا الى حال المقارنة هذه، إلّا أنّني أتذكّر ما نقلته إلينا دروس التاريخ من المبارزات المنابِرية في علوم الديمقراطية (وهي كلمة يونانية) لدى إغريق أرسطو وأفلاطون وأمثالهما.

أمّا ما "لَوَّى قلبي" فعلًا فكانت منابِريات نواّب الأمّة (جمعاء) اللبنانية  الذين دَوْزَنوا (بسحر ساحر) كلّ مداخلاتهم خلال مناقشاتهم للبيان الوزاري على نغم مكافحة الفساد مجتاحين من خلال ذلك معاقل الخطابة الوطنية الرصينة ل"بيريكليس" (Périclès) موضوعًا وفهمًا وإدراكًا وصيغةً وطنية عالية وحماسًا يجيّش الجماهير وتجهش له الضمائر والفوائد (والموائد أيضًا)، والأهمّ من كلّ ذلك، مصداقيةً.

وبعد تسعة أشهر من إحتضان المولود، جاء المسمّى "إلى العمل" .. عاطلًا عن العمل، متخبّطَ (أو متأبّطًا) الآراء، غارقًا في مجرور الإنهيار المالي الإقتصادي ال...  وخاصّة الأخلاقي، مقترحًا في اللحظة ذاتها نهب لقمة الفقير (تخفيض المعاشات) لإغناء الغني (إعفاء من الضرائب وتوابعها).

كان هذا مطلع "العلاجات" المقترحة لتصحيح مالية الدولة (في لبنان طبعًا)، وأبرزها يكمن في سرقة أموال الموظفين وتعويضاتهم الخ... ممّا يذكّرني بإنفعال مارتن إنديك (Martin Indyk) (4) حين واجه رئيس وزراء العدو خلال مفاوضاته له باسم الإدارة الأميركية معلّقًا: "يتصرّف نتنياهو كالولد الذي يقتل أبيه ويهرع الى العالم متصدّقًا لأنّه يتيم".  وهذا قول صهيوني بصهيوني آخر.

أمّا ملحق "العلاجات" فتَصَبّحنا به مؤخّرًا باقتراح أن يكون هناك زيادة في الضريبة على الفوائد مقابل خفض الأجور.  وهذا الأمر ذكّركني أيضًا بطرفة مؤلمة تصف فيها الأمّ التي توبّخ ولدها العصيّ على الأكل بالقول أنّ: "عليك أن تأكل جيّدًا، فهناك ملايين من أطفال أفريقيا يبيتون كلّ ليلة من دون طعام".  بالله عليكم !.. ماذا يفيد طفل في أفريقيا إذا أنت أكلت في أوروبا الشَبِعَة ؟؟

وبعد حلّ مشكلتها مع مكدونيا الشمال، إنضمّت اليونان الى مجموعة ال 16+1 (لتصبح 17+1)، ما يعرف ب China - CEEC وهي مجموعة دول شرق أوروبا (17) مع الصين (1)  مع ما سوف يربطها بطريق وحزام الحرير وشبكة طرق وسكك بحرية وبرّية، هذا الى جانب تطوير الزراعة الرقمية التكنولوجيا. وكانت قد نظمت علاقتها، المالية أولًا، مع أوروبا الغربية فيما يخصّ نازحي حروب منطقتنا وحصرت الإهتمام بهم في جزيرة ليسبوس، وكلّ شيء بثمنه.

أما لبنان ؟ لبنان الشعب العنيد انضم الى مجموعة الممنوعين من التصرّف ليعتمد على ما يعرف بال PPP  الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وترجمتها هنا هي أن يتولّى القطاع الخاص (الأجنبي) كلّ شيء للتحكّم بالبلد حتى ممارسة الحكم فيه وعليه.  أما الزراعة، فازرع ولا تحصد والمواضيع الثانوية مثال الكهرباء وشبكة المواصلات والنفايات وغيرها، فهي رفاهية من المعيب الحديث عنها خلال الأزمات.

ولكن ... ننام مطمئنّين أنّ قواعد المحاسبة لدينا هي من صنع فيتاغوراس وأن أرخميدس قد وجد (وجدتها !!) لنا معادلة قانون الإنتخاب، وإقليدس قد ابتدع مفهوم "خدمة الدين".  وبات اللبناني يقضي حياته متجوّلًا حاملًا مصباح ديوجين، ليس لأنّه يبحث عن الحقيقة فهو لا يريد إدراكها، بل بسبب إنقطاع الضوء والنور الكهربائي والفكري عنه.  ولنكمل المقارنة حتى نهاياتها (غير السعيدة) فالكلّ عندنا مستعدٌ أن يلعب دور إمّا حصار طروادة أوحصانه، وكلّ من السياسيّين، المفوّهين مثل كاسّاندرا، له كعب أخيله الخاصّ ونحمد الربّ على عدم إضطرارنا لتسمية البلد باسم إمراة (هيلين) لكانت ازدادت الخلافات خلافات بالجملة.

ومن باب المعلومات المستجدّة، لقد باشر، البرلمان اليوناني مداولاته، التي ما انقطعت منذ نصف قرن، حول مشروع قرار يطلب اليونان من خلاله تعويضات عن جرائم حرب من ألمانيا النازية من جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية.  فمتى، يا تُرى، يتحرّك البرلمان اللبناني إزاء الجرائم الإسرائيلية ويجرّم كلّ من زوّد العدو ودعمه بالسلاح والمواقف الأممية الجائرة ؟

 أمّا الهدف الأساس من زيارة الرئيس اليوناني فكانت التنسيق في موضوع النفط والغاز البحريّين والحصص والأسواق و..، ولكن قد يكون لهذه الأمور أجزاء لاحقة خارجة عن نطاق هذه الصرخة.

وأخيرًا ولإضفاء بعض الطراوة على مضمون هذه المذكرة، ورد في سياق تقييم الهيئات والمؤسّسات الرسمية التي لا تعمل أو ذي فعالية يُستغنى عنها أنّ هناك هيئة للأبحاث الذريّة ونسأل: ما هو عملها؟ ويرد ببالنا أنّه ربّما .. ربّما كان من مهامها البحث عن ذرّةٍ من الحياء لدى أيّ من المسؤولين عن نكبة لبنان واللبنانيّين !.. ربّما !

والحلّ ؟؟ الحلّ في خبر اليوم أن الرئيس السابق لدولة البيرو قد أطلق رصاصة في رأسه منتحرًا قبيل اعتقاله بتهمة الرشوة، .. وهل يتّعظ البعض، أو يسلك سلوكه ؟

لقد أدليت بما جال في خاطري من باب العذر الذي لا يقلّ عن الذنب سوءًا، فإلى اللقاء.

                                                                                                                         

Martin Indyk) 4): دبلوماسي أميركي، عضو بارز في منظمة AIPAC الأميركية - الإسرائيلية، موفد أميركي خاص الى المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية.

 

 د.حيّان سليم حيدر

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل