مسرح الجم.. تحفةٌ رومانية على أرضِ تونس

الإثنين 15 نيسان , 2019 06:09 توقيت بيروت ثقافة

الثبات ـ ثقافة

في مدينة كانت تسمى في العصور القديمة "يسْدْرُوسْ" وتسمى حاليًّا "المهدية" في الساحل التونسي، يقف المسرح الروماني العظيم المشهور بقصر ومدرج الجمّ شامخًا رغم عاديات الإنسان والطبيعة، يعد قصر الجم الروماني ثالث أكبر مسرح في العالم بعد مسرح كولوسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع ومسرح كولوسيوم كابو، يقع في مدينة الجم الساحلية، ويعتبر بحسب المؤرخين أكثر جمالا وصيانة وأكبر بناء أثري روماني في أفريقيا.

تاريخ طويل :

ترجح أغلب الروايات عن تشييده أن الإمبراطور الروماني غورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على إمبراطور روما في ذلك العصر هو من أمر ببناء المسرح سنة 238 ميلاديًا، ليكون مسرحًا رومانيًا عظيمًا يضاهي في العظمة والمساحة نظيره في عاصمة الإمبراطورية في روما، ويتجاوزه جمالًا وروعة، وأطلق عليه اسم "كُولُوسِّيُومْ تِيسْدْرُوسْ"، في أثناء بنائه عالج المصممون كل الأخطاء الهندسية التي وقعت في بناء المدرج الروماني السابق في روما، الأمر الذي يفسّر بقاء مسرح الجم في نظر علماء الآثار والتاريخ إبداعًا معماريًا وفنيًا من الطراز الأول، يشهد بالرقي لمدينة تِيسْدْرُوسْ (الجم) الرومانية، رغم مرور أكثر من 1800 سنة على بنائه، ما زال هذا المسرح الذي يعتبر بمثابة التحفة الرومانية فوق أرض تونس، على صورته الأولى بنسبة كبيرة جدًا.

ويعتبر هذا المسرح الذي شكّل على مدى العصور ومنذ بداية العهد الروماني مسرحًا لأحداث تاريخية عظيمة، إذ حصلت فيه العديد من الأحداث التي شكّلت منعطفات في التاريخ الإنساني، واحدٌ من أعظم الآثار الرومانية في العالم، ولعراقته وتاريخه الكبير وجماله الفريد أُدرج هذا المسرح الروماني سنة 1979على لائحة مواقع التراث العالمي من طرف اليونسكو، ليضاف بذلك إلى المواقع الأعرق والأجمل في العالم التي تديرها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "اليونسكو".

هندسة معمارية فريدة :

تبلغ مساحة القصر ذي الواجهة الرومانية المرتفعة، 148 مترًا في 122 مترًا، أما أبعاد الحلبة فتبلغ 65 مترًا في 39 مترًا، وتتسع مدارجه لقرابة 35 ألف متفرج، ويقع تحت حلبته رواقان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى للحلبة إضافة إلى فتحتين من جانبي الحلبة كانت تستخدم لرفع الوحوش من أسود ونمور والمصارعين من أسرى الحرب، حيث كان المصارعون والوحوش يؤسرون في غرف تحت الحلبة ليتم إطلاقهم في الأعياد والمناسبات الضخمة التي تشهد إقبالاً جماهريًا ضخمًا من الشعب والنبلاء الذين يجلسون في المدارج لمشاهدة مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين من أسرى الحروب وسباقات العربات، يحتوي هذا المسرح الروماني الفريد من نوعه في وقتنا الحاليّ، على العديد من القطع الأثرية النادرة في العالم.

هذه الهندسة المعمارية التي جمعت بين التيارات الشرقية والغربية، شدّت اهتمام الكتاب والمؤرخين الغربيين والمشارقة الذين زاروا المسرح في القرون الماضية، كما فتنهم المسرح بتناسق أجزائه ومركّباته وجمال لونه المحاكي للون الذهب فأفاضوا في مدحه وإعلاء شأنه ورأوا فيه أثرًا مميّزًا لإفريقيا الرومانية، ويحتوي هذا المسرح الروماني الفريد من نوعه على العديد من القطع الأثرية النادرة في العالم.

من مسرح للموت إلى مسرح للحياة :

أُسِسَ مسرح الجمّ ليكون حلبة لمصارعة الوحوش ومسرحًا داميًا تتمزق فيه أجساد العبيد وأسرى الحرب وكبار المجرمين الذين تجاوزوا القانون، كما كانت جدرانه شاهدًا على النبلاء الرومانيين الذين أدمنوا الصّراعات الدامية، وخصّصوا لمشاهدتها أغلب وقتهم، غير أنه اليوم أصبح مكانًا لالتقاء الفنانين ومسرحًا شهيرًا لأهم الحفلات الموسيقية في تونس والعالم، إذ تقام فيه سنويًا مهرجانات وحفلات لأهم الفرق العالمية وفرق موسيقى الجاز، وقد ازدادت شهرته أكثر منذ إنشاء أول مهرجان للموسيقى السمفونية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تضاء الشموع في كل صيف في مختلف أروقته مشكلة لوحة تجمع بين سحر الأثر التاريخي وإبداع الفن المعاصر لتعلن انطلاق دورة جديدة من مهرجان الموسيقى السمفونية بالجم.

وتستقبل مدينة الجم الساحلية في كل سنة ما يزيد عن المليون سائح سنويا من مجموع 6 ملايين سائح يتوافدون على تونس. 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل