أقلام الثبات
بعد إعلان رئيس الحكومة اللبنانية إنجاز إخلاء جنوب الليطاني من السلاح والمسلحين والمنشآت، والاستعداد لبدء المرحلة الثانية من تنفيذ المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي"، عبر حصر السلاح بيد الدولة، سارع العدو "الإسرائيلي" للقصف واغتيالات شمالي الليطاني، وامتد العدوان إلى ما بعد نهر الأولي وصولاً الى الهرمل، معلناً بداية مرحلة شمال الليطاني، وإعلان ولادة "لبنان الإسرائيلي" ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي أعلنه نتنياهو وفي إطار مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الجديد.
إن إعلان الحكومة اللبنانية بدء مرحلة شمال الليطاني هو تنازل عن القرار 1701 الذي ينص على إخلاء منطقة جنوب الليطاني حصراً، وليس كل لبنان، وتنازل عن اتفاق تشرين الثاني 2024 الذي يمنح الطرفين ("إسرائيل" ولبنان)، حق الدفاع عن النفس، فإذا تم نزع السلاح من شمال الليطاني إلى النهر الكبير فبماذا سيدافع لبنان بعد تجريد مقاومته من سلاحها، علماً أن جيشه ممنوع من إطلاق النار على جنود الاحتلال "الإسرائيلي"، ولا يستطيع التحرك إلا بإذن من "إسرائيل" عبر القوات الدولية؟
إن نزع السلاح وتفجير الأنفاق شمال الليطاني، نسخة مكرّرة عن الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982، لكن الفارق هو أن التنفيذ يتم عبر الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية بدلاً من تورط "إسرائيل" المباشر لتتجنّب "إسرائيل" دفع الخسائر التي ستكون أضعاف ما تعرّضت له أثناء تقدمها إلى بيروت عام 1982، وأي تنازل أو تساهل في مسألة السلاح شمال الليطاني، ولو بمسافة متر واحد من النهر، سيسهّل ولادة "لبنان الإسرائيلي".
لقد فُرض على المقاومة التعاون جنوبي الليطاني والانسحاب منه، وتسليم منشآتها وذخيرتها للجيش، وذلك نتيجة الظروف الميدانية التي خلّفتها الضربات التي تلقتها في حرب الـ66 يومًا، والظروف الإقليمية التي أدت إلى سقوط النظام الداعم للمقاومة في سوريا وإخراج غزة من جبهة المواجهة العسكرية الفاعلة، أما الموقف شمالي الليطاني، فإنه يفرض مواجهة مغايرة تمامًا؛ تهدف إلى نزع القرار السياسي للحكومة بشأن شمال الليطاني وتحييد الجيش اللبناني، لإنقاذه حتى لا يكون ضحية الصدام مع المقاومة، بناء لضغوط أمريكية و"إسرائيلية"، مما سيؤدي إلى إضعافه وانقسامه وتشظيه؛ كما حدث في الحرب الأهلية عام 1975 وبعد غزو 1982، وإنتفاضة شباط 1984، كما يتيح هذا "لإسرائيل" التخلص من آخر جيش نظامي ما زال يعتبرها عدوًا ويطلق النار عليها، وتربح بدء الفتنة الداخلية لإغراق المقاومة في صراع مع بقية الطوائف والأحزاب وما تبقى من الدولة.
إن واجب قوى المقاومة والوطنيين اللبنانيين إعلان موقف رسمي وواضح يعلن أن مسألة شمال الليطاني أمر خطير لا يمكن القبول به، حتى لو استدعى ذلك إسقاط الحكومة لإنقاذ لبنان ومنعها من التوقيع على شروط تسليم البلاد وفق المطالب الأمريكية - "الإسرائيلية"، وإنقاذ الجيش الذي سيُجبر على تنفيذ قرار سياسي يتعارض مع قناعات أكثريته، ويحاول في الوقت ذاته عدم التصادم مع المقاومة.
إذا كانت مرحلة جنوب الليطاني قد انقضت واكتنفتها بعض الضبابية والتأويل ومحاولات استيعاب الأمور واحتفلت الحكومة اللبنانية وأمريكا و"إسرائيل" بإنجاز إخلائها من المقاومة، فإن أي تردد أو تأخير في الرد، ناتج عن حسابات خاطئة أو محاولة للفرار من الفتنة، سيكون خطيئة لا ينفع الندم عليها، فإسقاط حكومة "فيشي" في لبنان ومواجهة حلفاء "إسرائيل" في الداخل ليست فتنة داخلية أو حربًا أهلية، بل هي جزء من معركة المقاومة، لإحباط المشروع "الإسرائيلي" - الأمريكي ومنع احتلال لبنان مجددًا.
إن سلاح شمال الليطاني ، سيحدد مسار ومستقبل لبنان ،فإما ولادة "لبنان الإسرائيلي"، أو بداية إسقاط المشروع "الإسرائيلي" إذا كانت "ضرورات" ومصالح التنظيمات والأحزاب تمنع مبادرتهم للقتال والمواجهة، فإن "خيار" أهلنا الشرفاء محصورٌ في أمر واحد، كما حدث في اجتياح عام 1982، وهو البدء بالمقاومة بتكليفٍ "إلهي ونبوي وإمامي" لا ينتظر قراراً تنظيمياً أو حزبياً، تماماً كما لم يُنتظر مثل هذا القرار عند بدء المقاومة في اجتياح عام 1982.
لا تتركوا "لبنان الإسرائيلي" على قيد الحياة... أجهضوا "حَمل" الحكومة اللبنانية قبل ولادته... ومن يسلّم سلاحاً أو نفقاً شمال الليطاني فإنه يعلن الحرب على الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وعدم انتظاره، ويُعلن الردّة عن إسلامه وكرامته، مهما كانت المبررات، ويتنازل عن كل التضحيات والانتصارات ودماء آلاف الشهداء... وليكن رفض تسليم السلاح "شمال الليطاني"... البلاغ رقم واحد بعدم الاستسلام وبدء المواجهة.
هل يُولد "لبنان الإسرائيلي" من شمال الليطاني أو تُجهضه المقاومة؟ _ د. نسيب حطيط
الجمعة 26 كانون الأول , 2025 10:52 توقيت بيروت
أقلام الثبات
لبنان... ونظام القرارات والمُهل الزمنية الأمريكية ــ د. نسيب حطيط
الاستعمار القديم يطل برأسه.. فكيف تكون المواجهة؟ _ يونس عودة
السلطة السياسية... وإعادة إعمار المصارف _ د. نسيب حطيط