أقلام الثبات
فرضت الولايات المتحدة نظامًا سياسيًا وإداريًا على لبنان يرتكز على ثلاثية مغلقة، إصدار القرار الأمريكي من الحاكم الإداري الأمريكي براك أو اورتاغوس، وإبلاغ المسؤولين اللبنانيين مع تحديد مهلة زمنية تتراوح بين أيام وأشهر ويُحدد القرار الجهات التنفيذية المكلّفة بالتنفيذ، سواء كانت الحكومة، أو مجلس النواب، أو الجيش، أو المصرف المركزي، أو غيرها من المؤسسات، دون اعتراض أو تعديل ويتحقق الحاكم الأمريكي خلال زياراته المكوكية من التزام هذه الأطراف بتنفيذ أوامره لنيل الرضا الأمريكي وتجنب التأنيب او العقوبات.
حدّدت أمريكا للحكومة، مهلة أيام في شهر آب لإصدار قرار نزع سلاح المقاومة، فسارعت لإصداره وبدء تنفيذه، وصَفَّق الوزراء ابتهاجًا لإنجاز المهمة بشكل قياسي قبل انتهاء المهلة، كما حددت أمريكا موعد 31/12/2025 كمهلة أخيرة لإخلاء جنوب الليطاني من السلاح والمسلحين، فنفذت الحكومة واستطاعت إنجازه قبل الموعد المحدد بأسبوع، فنظّمت جولات سياسية ودبلوماسية لتثبيت إنجازها وإنهاء مهمتها قبل انتهاء المهلة المحددة.
حدّدت أمريكا للحكومة ومجلس النواب مهلة نهاية عام 31/12 لإقرار إعادة "إعمار المصارف" وشرعنة سرقة أموال المودعين، فداوم الوزراء بين بعبدا والسراي لإقرار ذلك قبل رأس السنة خوفًا من غضب أمريكا.
كانت بعض القوى السياسية اللبنانية والقوى الخارجية تتهم المقاومة بأنها "دويلة" داخل الدولة ويتعيّن القضاء عليها حتى صارت أمريكا هي الدولة الفاعلة، وتحولت الدولة اللبنانية إلى مجرد دائرة من الموظفين في دولة 'عوكر' الكبرى التي تمتلك مطاراً ومرفأً خاصا، وتتمتع بسيادة أمنية مستقلة ضمن نطاق جغرافية السفارة الأمريكية. وانتقل مركز القرار اللبناني من المقرات الرسمية وبيوت الزعماء السياسيين ورؤساء الأحزاب إلى دولة 'عوكر'، في تكرار "معدّل" لتجربة دولة "عنجر" السورية مع تجميل لآلية الأوامر، لتبدو ديمقراطية ودستورية ولبنانية.
بعد الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1978، تأسست "دولة لبنان الحر الإسرائيلية" في جنوب لبنان، والتي أسقطتها المقاومة وطردتها مع "الإسرائيليين" العام 2000، وبعد حرب عام 2024، أعلنت أمريكا تأسيس دولة 'عوكر' الحاكمة للبنان، مستغلّة الضربات والخسائر التي مُنيت بها المقاومة وتحاول الإدارة الأمريكية استثمار هذا الوقت لتعميق جذورها واختراق المؤسسات الرسمية والأمنية والاقتصادية قبل أن تتعافى المقاومة وتهدم كل إنجازاتهم في لبنان وتجبرهم على الفرار، كما حدث عام 1982 وتفجيرات المارينز ويحتدم السباق بين دولة 'عوكر' والمقاومة، حيث تستعجل أمريكا تحقيق وتثبيت إنجازاتها قبل نفاد الوقت، بينما تسعى المقاومة لشراء الوقت حتى تتعافى وتتمكن من الرد على العدوان الإسرائيلي والاستعمار الأمريكي.
إن واجب الوطنيين اللبنانيين البدء بمعركة تحرير لبنان من الاستعمار الأمريكي الداخلي والرد على العدوان الإسرائيلي الخارجي،وعدم التأخر في استعادة المؤسسات، والمجلس النيابي، والحكومة، ممن هم نواب ووزراء وممثلون لأمريكا في مواقع السلطة، حتى لا تزيد الخسائر والمخاطر، ويجعل هدف تحرير لبنان سياسياً وعسكرياً أمراً بالغ الصعوبة ويتطلب عقوداً.
إن ترشيح النائب الكفء والصالح والصادق هو جزء أصيل من معركة المقاومة ضد المشروع الأمريكي و"الإسرائيلي"، وينطبق الأمر ذاته على اختيار الوزير أو المدير العام أو أي منصب رسمي أو ديني، لأن مواجهة الحرب الأمريكية - "الإسرائيلية"، تتطلّب مقاومة شاملة على المستويات المدنية، والمؤسساتية، والإعلامية، والثقافية، والعسكرية وإن التركيز على المقاومة العسكرية وإغفال المقاومة على مستوى التشريع والسلطة والإدارة هو توجه خاطئ يستنزف المقاتلين في الميدان وقد يؤدي إلى تبديد انتصاراتهم وإنجازاتهم في اتفاقيات أو هدنات تجعلهم يخسرون ما أنجزوه طوال 40 عامًا من تضحيات ومعارك وتحرير، وقد خسرنا بعض ذلك منذ "القرار 1701" بفعل أخطاء ارتكبت ومنها القبول بالمنطقة الخالية "جنوب الليطاني" وليس بشريط جغرافي بعمق محدّد موازيا للحدود!
تتحكم أمريكا بلبنان بعد الضربات التي استهدفت المقاومة عبر نظام "الملكية الدستورية" الشكلي، حيث يتم إضفاء طابع الديمقراطية على القرارات التي تطلبها أمريكا عبر مجلس النواب، لأنها تملك الأغلبية النيابية بالترهيب والترغيب، كما تملك الأغلبية في مجلس الوزراء وتستقطب كل المتسلقين للمناصب العليا في لبنان.
إن الانتخابات النيابية لانتخاب نواب جدد هي إجراء لزوم ما لا يلزم في ظل النظام الأمريكي الحاكم للبنان، إذ تقتصر مهمة هؤلاء النواب على الجانب الشكلي لإضفاء بعض الديمقراطية على الاستعمار الأمريكي، ولتمرير التعيينات والقوانين وتشكيل الحكومات دون أن تتحمل أمريكا المسؤولية المباشرة ويكفي أن تصدر أمريكا طلبها، فيهرول المسؤولون ويتنافسون على التنفيذ بأسرع وقت وقبل انقضاء المهل الزمنية المحددة.
أسقطوا دولة "عوكر"... حتى لا يسقط لبنان!
لبنان... ونظام القرارات والمُهل الزمنية الأمريكية ــ د. نسيب حطيط
الخميس 25 كانون الأول , 2025 10:51 توقيت بيروت
أقلام الثبات
الاستعمار القديم يطل برأسه.. فكيف تكون المواجهة؟ _ يونس عودة
السلطة السياسية... وإعادة إعمار المصارف _ د. نسيب حطيط
أحمد الشرع.. "البطل" الذي لم يقرأ سيناريو النهاية _ أمين أبوراشد