أقلام الثبات
بعد العملية العسكرية "الإسرائيلية" - الأمريكية التي بدأت بـ"مجزرة البيجر"، التي احتفل بها تحالف "ترامب - نتنياهو" كأول عملية أمنية إلكترونية عالمية، وبعد اغتيال"السيد الشهيد" وقيادات المقاومة العسكرية وتدمير أغلب مخزونها الصاروخي، وتدمير القرى وإخلاء منطقة "جنوبي الليطاني" من السكان والسلاح والمقاومين وكل مظاهر الحياة، بالتعاون مع القوات الدولية والجيش اللبناني (الذي وُضع في موقف صعب)، انتقلت "إسرائيل" وأمريكا إلى المرحلة الأخطر، وهي الحرب النفسية والمعنوية الهادفة إلى تصفية ثقافة المقاومة وإنجازاتها وتهدف هذه المرحلة من الحرب إلى محو وإلغاء المخزون الثقافي والمعنوي المتمثل في العزة والكرامة والقدرة على المواجهة والدفاع و توازن الردع الذي عاشه أهل المقاومة طوال 40 عامًا.
استطاعت المقاومة تحقيق الإنجازات والانتصارات وإلحاق الخسائر بالعدو "الإسرائيلي"، واستحداث نموذج العمليات الاستشهادية، ثم تحرير الجنوب تحت النار دون اتفاقيات، مما اضطر الجيش "الإسرائيلي" للفرار من أرض عربية لأول مرة، تلا ذلك انتصار حرب تموز 2006، وقد رفع هذا الانتصار المقاومة اللبنانية إلى مرتبة الرمز والأيقونة عند الأجيال العربية والإسلامية، فتصدرت عرش الكرامة والعنفوان لعقود، ومثّلت نموذجًا عربيًا وإسلاميًا بعد عصر الهزائم، ونجحت في تعميم ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة التطبيع والانهزام والاستسلام التي هيمنت على الأمة منذ اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1978.
تثأر "إسرائيل" بشكل حاقد ومتوحش من المقاومة اللبنانية لأنها أسقطت الشعار المقدس لدى الشعب الإسرائيلي (الجيش الذي لا يقهر)، وهو الشعار الذي نجحت "إسرائيل" في ترسيخه في العقل العربي، لكن المقاومة اللبنانية سحقته ومرّغت وجهه بالوحل الجنوبي أكثر من مرة.
تثأر "إسرائيل" من المقاومة لأنها أثبتت إمكانية تحرير الأرض دون تنازلات أو اتفاقيات سلام، ونجحت في تكذيب وتسخيف المنظومة التي تدعو إلى السلام والأمان العربي المشروط بالتنازل والتطبيع مع "إسرائيل".
تثأر "إسرائيل" من المقاومة وأهلها الذين أحبطوا مشروع "الشرق الأوسط الجديد" عام 2006 منفردين، وأخروا مشروع "إسرائيل الكبرى".
تنتقم "إسرائيل" من الجيش اللبناني والمقاومة اللبنانية لأنهما القوتان المسلحتان الوحيدتان في العالم العربي اللتان ما زالتا تصفان "إسرائيل" بـ"العدو الإسرائيلي"، والوحيدتان اللتان أطلقتا النار فعليًا ضد جنود "إسرائيليين" على عكس بقية دول العالم العربي، لذا لا بد من القضاء عليهما وإذلالهما وترويضهما.
تمتلك "إسرائيل" القدرة على قصف "الغرفة الصخرية" في تولين وقادرة على قصف بيت يانوح، وقد قصفت آلاف البيوت ولا تزال تفعل، لكنها تسعى لإذلال الجيش الذي يعتبرها عدوًا، وتريد إذلال المقاومة لتصبح محط استهزاء وشماتة من اللبنانيين والعرب والمسلمين، بهدف محو صورة البطولة والشجاعة والعنفوان والنصر التي رسختها المقاومة على مدى عقود في وعي الرأي العام.
ستواصل "إسرائيل" طلب تفتيش البيوت والمغاور والأحراج والحدائق والمساجد ضمن حملة الحرب النفسية والمعنوية التي تشنها على المقاومة وأهلها، بهدف تعميم ثقافة "يفتشوا البيوت احسن مايقصفوها"، و"من يعترض على التفتيش فليذهب للقتال"، والأسوأ والأخطر هو تعميم اتهام المقاومة بأنها المسؤولة عما يحدث، باعتبار أنها من بدأت حرب الإسناد.
إن هذا الاتهام هو الأخطر لأنه يبرئ العدو "الإسرائيلي" من كل مجازره وتوحشه منذ عام 1948، ويبرئ الدولة اللبنانية من خطيئتها في اتفاق القاهرة 1969، ويحرق كل إنجازات المقاومة وتضحياتها ودفاعها عن أهلها، ليصبح المقاوم "ضحية" القصف "الإسرائيلي" وضحية نكران الجميل، بل ويُحاسب على دفاعه عن أهله واستشهاده، لذا لا بد من التصدي لهذه الحرب النفسية والمعنوية الخطرة والامتناع عن تلبية المطالب "الإسرائيلية" بالتفتيش حفاظًا على كرامة الجيش والمقاومة وأهلها، حتى لو أدى ذلك إلى خسائر في المباني والأرواح، فلا يمكن التنازل عن ثقافة الدفاع عن التاريخ والكرامة والاستخفاف بإنجازات المقاومة.
صحيحٌ أن المقاومة لا تستطيع (الآن) الرد الذي يغير الواقع، لكنها تستطيع وواجبها حفظ الكرامة ولتُفجّر "إسرائيل" الأنفاق والبيوت، وألا يقوم جنود وضباط الجيش بأعمال السخرة لصالح العدو، كي لا نكتب في سجل تاريخنا أننا هدمنا بيوتنا ومتاريسنا بأيدينا، وأن جيشنا الوطني هو من حفر وفجّر ولا نخسر كرامتنا، فعلى الأقل يبقى في ذاكرة الأجيال أن هذا البيت أو النفق أو المسجد قد فجّرته وأحرقته "إسرائيل"، ليكون حافزًا للثأر فيما بعد.
نحن أمام حرب أخطر من الحرب العسكرية؛ تستهدف اقتلاع عقيدة وثقافة المقاومة، ومحو ذاكرتنا المليئة بالفخر والانتصارات والعزة والكرامة، وتدجين عقولنا وتلقيحها بثقافة "أطِع عدوّك ولو دمّر بيتَك وقتل أهلك واحتلّ أرضك"... مقابل ثقافة "هيهات منّا الذلّة".
لم تنته الحرب... وسننتصر ثانية بإذن الله المنتقم الجبّار.
"إسرائيل"... وحرب الترويض والإذلال للمقاومة والجيش ــ د. نسيب حطيط
الخميس 18 كانون الأول , 2025 09:52 توقيت بيروت
أقلام الثبات
حادثة تدمُر.. تدمير لأحلام الشرع وأوهام ترامب ــ أمين أبوراشد
أعطيناهم كل شيء... لكن "إسرائيل" لم تنسحب ــ د. نسيب حطيط
"الحانوكا" .. تحت غطاء الأساطير: الوجه الحقيقي لكيان وُلد على فوهة بندقية!