أقلام الثبات
يشهد مسار التطبيع و"السلام" مع "إسرائيل" تقدماً غير مسبوق في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية، حيث تحوّل التعاون والتحالف مع "إسرائيل" إلى منهج وطني وإنساني، بل وتجرأ البعض على وصف المعارضين والمقاومين "لإسرائيل" بالإرهابيين والمغامرين، ومخربي أوطانهم بوقاحة!
لقد تجاوز معظم الحكام والإعلاميين والسياسيين ورجال الدين والمثقفين حدود الخجل أو الخوف من التعامل كعملاء ودعاة للمشروع "الإسرائيلي"، ونشروا ثقافة التطبيع والانهزام والتنازل عن الحقوق، وذلك ضماناً للسلامة والعيش بأي ثمن، أو طلباً للأمان من "إسرائيل" وأمريكا وفي المقابل، تتراجع وتضمحل ثقافة المقاومة والممانعة والعداء "لإسرائيل"، حتى أصبحت هذه الممانعة تُجرّم بموجب قوانين الدول تحت تهمة الإرهاب، وصار المقاومون منبوذين ومُحاصَرين في أوطانهم وداخل العالم العربي والإسلامي، كما أصبح السلاح المقاوم يُعتبر عيباً وجريمة، بينما تُنفق ثروات البلاد، التي يُحرم منها العباد، على سلاح العمالة وقمع الشعوب.
لقد انقلبت المعايير؛ فأصبح العميل مرجعاً للحكم على وطنية المقاومين أو نفيها، وتحوّلت بعض المحاكم إلى قاعات لتبييض سجلات العملاء وتغطيتهم بأحكام مخففة لا تُعادل مخالفة سير بسيطة أو بناء جدار بدون ترخيص.
لم يتبقَ في العالم العربي سوى بضعة مقاومين يحملون بعض البنادق والصواريخ في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، تحاصرهم أنظمتهم وأمريكا وأغلب العرب والعالم، وتقصفهم إسرائيل وأمريكا بغية إجبارهم على تسليم أسلحتهم، وهكذا يتم "سبي" الأمة بأكملها؛ رجالاً ونساءً، تاريخاً ومستقبلاً وثروات، ومحوها من المصطلحات السياسية، فلا عالم عربي ولا إسلامي، بل "شرق أوسط جديد" أو "إسرائيل الكبرى".
عندما تعترف كفرد أو جماعة أو دولة "بإسرائيل" فإنك بذلك تقرّ وتوافق على احتلال فلسطين وتهجير شعبها، وتُسلّم بحق اللص والمُغتصب في طرد أي شعب واحتلال أي وطن، وعندها تُفتح أبواب وطنك للاحتلال "الإسرائيلي"، فإذا كان لها الحق في احتلال فلسطين، فما الذي يمنعها من احتلال وطنك؟
عندما تعترف "بإسرائيل" فإنك تعترف بمشروعية تهجيرها لشعب فلسطين، فلماذا تعترض عندما ستهجّرك "إسرائيل" من وطنك، وستكون لها المشروعية بذلك، وتكون بذلك قد وقّعت بنفسك موافقاً على قيام "إسرائيل الكبرى"، التي ستهجّرك وتدمّر وطنك وتلغي دولتك.
عندما تُطَبِّع مع "إسرائيل" فإنك تؤمّن سبل الحياة والبقاء "لإسرائيل" المغتصبة، والسارقة والمجرمة والقاتلة، لتبقى محتلّة لفلسطين وقادرة على احتلال وطنك وقتلك أيضاً.
إن الاعتراف بإسرائيل يعد مشاركة رجعية في اغتصاب فلسطين، فإذا كنت تتبنى شعار "وطنك أولاً" وتعارض التدخل في شؤون الآخرين، فلماذا تتدخل في شؤون شعب فلسطين، وتعترف بمن احتل أرضه وشرّد أهله ولا يزال يقتله وينتهك حقوقه؟ ولماذا تتدخل لإعانة المحتل على حساب الشعب المُستضعف والمهجّر؟
عندما تطالب بنزع سلاح المقاومة التي لم تطلق عليك رصاصة ولم تهددك، فأنت تكون عميلاً للاحتلال وشريكاً في قتل مواطنيك وتهجيرهم من قراهم، وشريكاً في تدمير بيوتهم، فمنذ أربعين عاماً لم تعتدِ المقاومة على أحد في لبنان، ولم تقتحم منطقة لبنانية، ولم تشارك في الحرب الأهلية التي أشعلها عملاء "إسرائيل" في لبنان، الذين أوّل من حمل السلاح لإحراق لبنان، ويطالبون الآن بنزع سلاح المقاومة بالاستعانة "بإسرائيل" وأمريكا.
لا بد من إعادة "ترميم" ثقافة المقاومة والكرامة، وتحصين المجتمع ضد سرطان العمالة والانهزام والذل، لكبح جماح العملاء، كما لا بد من إعادة التشدّد والمحاسبة لكل عميل سفك دماً أو شارك بمعلومة عن مقاوم أو مركز سلاح.
إن تحصين المجتمع المقاوم ليس مسؤولية تنظيم أو حزب أو دولة فقط، بل هو مسؤولية كل فرد، ليكون خفيراً وحارساً، وهو واجب عينيّ على كل مستطيع، بأمر إلهي ونبوي ، سواء بالكلمة أو الفعل أو العقاب الرادع، لإعادة تطهير المجتمع المقاوم، وفقأ لعيون العدو، وصمّاً لآذانه، وشلاًّ ليده داخل مجتمعنا وهذه هي الخطوة الأولى في الإعداد للمعركة القادمة.
إن الدعوة أو القبول بالسلام والتطبيع مع "إسرائيل" بحجّة التسليم للأمر الواقع، هو عمالة وخيانة ومعصية لله ورسوله، مهما جُمّلت الألفاظ والمبررات، ومهما كان قائلها أو لقبه أو مسؤوليته أو طائفته.
لا تعترف "بإسرائيل" كي لا تصبح شريكاً في احتلال فلسطين، ولا تكن عميلاً يمهّد الطريق لاحتلال بلدك... قاوم... بالكلمة أو بما تملكه من قوة.
الاعتراف "بإسرائيل" شراكة باحتلال فلسطين.. وتشجيع على احتلال وطنك _ د. نسيب حطيط
الأحد 07 كانون الأول , 2025 10:40 توقيت بيروت
أقلام الثبات
اشتُموني ما شئتم: لا بارك الله في "ثورة" أسهمت في وصول نتنياهو إلى تخوم دمشق ــ حسان الحسن
لبنان… ومخاطر الدبلوماسية المُسيَّرة أمريكياً ــ د. نسيب حطيط
تعيين سيمون كرم لا يعني أن لبنان سيكون "كرم عَ درب" في التنازلات _ أمين أبوراشد