التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"... وتفكيك "الهلال الشيعي" _ د. نسيب حطيط

الأربعاء 03 كانون الأول , 2025 09:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
قبل عشرين عامًا، وأثناء زيارته للولايات المتحدة عام 2004، أعرب الملك الأردني عبد الله عن قلقه وخوفه من تشكيل حكومة عراقية موالية لإيران والمقاومة، ورأى أن هذا التطور سيسرّع من اكتمال "الهلال الشيعي" الممتد من إيران والعراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى اليمن كطرف بعيد. وكان الملك الأردني أول من استخدم هذا المصطلح بشكل واضح وصريح، محذراً وداعياً لمواجهة هذا "الهلال" الذي يهدّد استقرار المنطقة ومستقبلها، وقد يؤدي إلى تغييرات في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية.
لم يكن قلق الملك عبد الله من "الهلال الشيعي" بمعناه الديني الطقوسي، فهو يدّعي الولاء لسلالة بني هاشم التي لا يزال الشيعة يوالونها، ومملكته لا تزال تُدعى بالمملكة الهاشمية، بل كان يقصد "الهلال الشيعي السياسي" الذي حمل لواء المقاومة ضد "إسرائيل"، وقاوم الغزو الأمريكي للعراق، ومن المفارقات أن الأردن، الذي يعتمد على مساعدات العراق الذي تحكمه حكومة شيعية، لم يكن هدفاً لهذا "الهلال الشيعي" المزعوم!
برز الخوف من هذا "الهلال" عقب الانتصار التاريخي للمقاومة اللبنانية عام 2000، وهزيمة "إسرائيل" لأول مرة بشكل واضح في تاريخ الصراع العربي - "الإسرائيلي" وانسحابها دون تفاوض أو شروط أو ترتيبات أمنية وقبل عامين من حرب تموز 2006، التي كانت شرارتها المباشرة خطف المقاومة للجنديين، ومسارعة "إسرائيل" لشنّ حربها التي كانت تحضّر لها ضمن مشروع القضاء على "الهلال الشيعي" المقاوم وتفكيكه، كما سرّعت حرب الإسناد شن "إسرائيل" حربها  التي كانت تخطط لها منذ عام 2019، وفقاً لـ"معهد الأمن القومي"، الذي حدد أن أول أهداف تأمين الأمن الاستراتيجي "لإسرائيل" هو إبعاد نفوذ إيران، وكسر وهزيمة "المحور الشيعي" (وفق تسميته).
"الهلال الشيعي المقاوم" يضم الشيعة المقاومين و"أهل السنة" المقاومين، مثل حماس والجهاد وبقية الفصائل، وكان يضم سوريا بقيادة بشار الأسد، وبالتالي فإن هذا الهلال لا يقتصر على الانتماء المذهبي للشيعة، فكل مقاوم عربي أو إسلامي، سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو علمانياً، يُعتبر في نظر "إسرائيل" وحلفائها جزءاً من هذا "الهلال الشيعي"، حيث تحول "التشيّع" من مذهب ديني يتعلق بالعبادات والفقه المستقل، الى  "مذهب سياسي" يقاوم المشروع الأمريكي منفردًا منذ أكثر من 40 عامًا، وتحديدًا منذ انهيار المحور الشيوعي بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990.
 إن إطلاق مصطلح "الهلال الشيعي" أو "المقاومة الشيعية" يستهدف حشد بقية المذاهب الإسلامية ضد الشيعة المقاومين، بالاعتماد على الخلافات المذهبية والتاريخية، ويهدف هذا التكتيك إلى محاصرة الشيعة وإضعافهم وتعطيل مقاومتهم "لإسرائيل"، دون اتهام "السنة" بالتحالف مع "إسرائيل" ضد المشروع المقاوم، مما يحقق هدفين أساسيين للتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي":
-  هدف سياسي - أمني: يتمثل في محاصرة قوى المقاومة وإرهاقها، وحصرها مذهبيًا، واتهام السنّة المؤيدين لها، بالردّة بسبب تحالفهم مع من يُعتبرون "الرافضة".ّ
-  تفجير الصراع المذهبي: لتدمير وتشتيت قوة الإسلام بمذاهبه المختلفة وتفكيك الدول، مما يسهل قيام مشروع "إسرائيل الكبرى".
بعد 20 عامًا من التنبيه والإنذار لمخاطر "الهلال الشيعي"، نجح التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" وحلفاؤه العرب في تحقيق إنجازات كبيرة لتفكيك هذا "الهلال" بنسخته الفلسطينية المتمثلة في "إبادة غزة"، ونسخته السورية المتمثلة في "إسقاط الأسد"، ويجري التحضير لمعركة حاسمة لقطع "رأس الهلال" في لبنان؛ في محاولة لكسره، بعد عامين من الحرب بين المقاومة و"إسرائيل".
الحرب على المقاومة في لبنان هي حرب على "الهلال الشيعي"، تهدف إلى إسقاط الساحة الثالثة بعد غزة وسوريا، مما يقرب من تغييب "الهلال الشيعي" نهائيًا بعد انحساره إلى ساحتي العراق وإيران، وستكون الحرب في لبنان هي المعركة الفاصلة بين مشروعين (المشروع المقاوم والمشروع "الإسرائيلي" - الأمريكي)، وستحدد نتائجها مصير الشرق الأوسط و"إسرائيل الكبرى"، وليس مصير لبنان فحسب، فإذا هُزمت المقاومة في لبنان فلن تكون هناك دولة فلسطينية، وسيتم إغلاق الملف حتى ظهور جيل جديد يعيد إحياء القضية التي لن تموت ولو بعد عقود.
أيها الوطنيّون اللبنانيون والعرب والمسلمون: معركة لبنان هي معركة المشروع المقاوم وفلسطين، وليست معركة الشيعة... وعليكم النفير، لحفظ ما تبقى من أمة ومن فلسطين.. فنحن آخر المقاومين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل