زيارة البابا للبنان...أين السياحة الدينية؟ ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 01 كانون الأول , 2025 09:44 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا يمكن قراءة زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان بوصفها حدثاً بروتوكولياً عابراً في روزنامة العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكان والشرق، بل هي لحظة مفصلية تلامس جوهر الهوية اللبنانية. تأتي هذه الزيارة في توقيت بالغ الدقة، حيث يرزح اللبنانيون تحت وطأة عدوان "إسرائيلي" وتصعيد عسكري، توازيهما حرب نفسية ممنهجة تعتمد التهويل وسيناريوهات الحرب الشاملة.

إن إصرار الفاتيكان على إتمام هذه الزيارة وسط ضجيج المعارك والدعوات الى تأجيلها، يحمل في طياته رسائل تتجاوز الدعم المعنوي التقليدي، لتصب في تثبيت الحضور المسيحي في المشرق.

ينظر الكرسي الرسولي إلى لبنان ليس كدولة فحسب، بل كـ"رسالة" وضرورة حضارية، وفق توصيف البابا القديس يوحنا بولس الثاني. فلبنان اليوم هو الشاهد الأخير والمتبقي على التنوع الديني الحر والشراكة المسيحية - الإسلامية الفاعلة في إدارة الدولة، خصوصاً بعد موجات التهجير المنهجي التي طالت مسيحيي العراق وسوريا وفلسطين منذ عام 2003.

من هنا، تأتي الزيارة كإعلان فاتيكاني حاسم بضرورة مكافحة مشاريع "إفراغ الشرق من مسيحييه"، ودعوة صريحة للبنانيين - والمسيحيين تحديداً - للصمود في أرضهم ونبذ الأحقاد الداخلية والسير بالمصالحة، لأن سقوط النموذج اللبناني يعني نهاية التعددية في المنطقة بأسرها.

في المقابل، وفي حين يزور البابا الأماكن الدينية المسيحية، ودور العبادة لا يوجد في برنامجه زيارة للأماكن التي سار عليها السيد المسيح، لا يعود التقصير هنا للبابا، بل لأن اللبنانيين مقصرون في وضع وطنهم على خارطة السياحة الدينية العالمية.

 تكشف هذه الزيارة عن فجوة هائلة وتقصير لبناني "مزمن" في استثمار التاريخ لصالح المستقبل. تمتلك الدولة اللبنانية ثروة كبيرة يمكن استثمارها؛ فمن بلدة قانا الجليل (جنوب لبنان) التي شهدت أولى معجزات المسيح، مروراً بمدينتي صور وصيدا اللتين باركهما المسيح بخطواته، وصولاً إلى سيدة المنطرة في مغدوشة حيث انتظرت العذراء مريم ابنها، يمتلك لبنان إرثاً دينياً موثقاً، إلا أن هذا الإرث يقابله غياب شبه تام لاستراتيجيات التسويق الديني، في حين نجحت دول الجوار في تحويل مواقعها الدينية إلى رافعة للاقتصاد الوطني.

السياحة الدينية ضرورة استراتيجية لا ترفاً

إن إعادة الاعتبار لموقع قانا ومسار العائلة المقدسة في الجنوب ليس مجرد مشروع سياحي، بل هو مشروع "أمن قومي" واقتصادي للأسباب التالية:
1.    القوة الناعمة (Soft Power): ربط الجنوب اللبناني بالذاكرة المسيحية العالمية يمنحه حصانة معنوية دولية، ويجعل من قراه جزءاً من التراث الإنساني الذي يحرص العالم على حمايته.

2.    الرافعة الاقتصادية المستدامة: السياحة الدينية هي صناعة لا تنضب، قادرة على جذب ملايين الحجاج سنوياً، مما يضخ عملات صعبة ويحيي الدورة الاقتصادية في الأرياف والمناطق الحدودية.

3.    الوحدة الوطنية: التركيز على تاريخ مشترك ومقدس يجمع اللبنانيين حول هوية حضارية جامعة، بدلاً من الانقسامات الطائفية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل