"قداسة البابا" يودّع آخر مسيحيي الشرق ــ د. نسيب حطيط

الإثنين 01 كانون الأول , 2025 09:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 يزور قداسة البابا لاون الرابع عشر مسيحيي لبنان، ولا يزور لبنان، رغم ترحيب جميع الطوائف والمسؤولين والأحزاب اللبنانية به، ومشاركتهم في استقباله، وقد فرضت الحكومة تعطيلاً إجبارياً لمدة يومين دون مبرر، خصوصاً أن زيارة البابا محصورة في مناطق مسيحية مركزية محددة جغرافيًا. 
استثنى البابا ليو زيارة الجنوب، وهي المنطقة التي تضم معالم للسيد المسيح (عليه السلام) مثل قانا؛ موقع معجزته الأولى وفق إنجيل يوحنا: "وفي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، كَانَ فِي قَانَا الْجَلِيلِ عُرْسٌ وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ"، وسيدة المنطرة، حيث كانت تنتظره أمه السيدة العذراء (عليها السلام)، وأول كنيسة عظيمة مكرّسة للعذراء، التي أثبت التاريخ تخصيصها عام 314، بالإضافة إلى مواقع مقدسة أخرى في صور وغيرها لا مثيل لها في لبنان، مما يدل على  أن زيارة البابا هي زيارة سياسية رعوية وليست زيارة دينية للتبرك بآثار السيد المسيح (عليه السلام). 
 يزور البابا لبنان لوداع آخر مسيحيي الشرق، وذلك بعد تهجير "إسرائيل" للمسيحيين من فلسطين، والتضييق عليهم واحتلال أماكنهم المقدسة هناك، التي تُعد المركز الديني الأقدس للمسيحيين في العالم .
يزور البابا لبنان لوداع ما تبقى من المسيحيين فيه، باعتبارهم آخر مسيحيي الشرق، وذلك بعد تهجير الجماعات التكفيرية للمسيحيين في العراق وسوريا، وهو ما صرح به البطريرك الراعي حول هجرة المسيحيين وتفاقمها في سوريا، وقبل أن تقوم "إسرائيل" بتهجيرهم مرة أخرى، بالتزامن مع تنفيذها لمشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي لا يعترف بأي دين؛ لا بالمسيحية ولا بالإسلام. 
يزور البابا لبنان لدعوة لبنان للانضمام إلى "اتفاقيات إبراهام»، سواء عبر دعوة مباشرة أو بالترويج للسلام وفقًا للشروط "الإسرائيلية" والأمريكية التي يفرضها ترامب بالقوة، وتفرضها "إسرائيل" بالنار، لاجتثاث وتحريف كل عقيدة دينية معادية للعقيدة اليهودية التوراتية - التلمودية.
يتمثل مفهوم "السلام الإسرائيلي - الأمريكي" في الاستسلام غير المشروط والتنازل عن الدين والثقافة والجغرافيا والثروات، واتباع "الديانة الإبراهيمية" الجديدة التي تصوغها الصهيونية - الماسونية، ويجب أن تسبق هذه المرحلة تدمير المسيحية، وهو ما تعرضت له "المسيحية الغربية" التي باركت زواج الشاذّين، وغيّرت الكثير من قوانين الكنيسة والإنجيل وتعاليم السيد المسيح، حتى كادت لا تشبه رسالة السيد المسيح وإنجيله وأحكامه، وتستمر مرحلة القضاء على المسيحية المشرقية؛ عقيدةً وأتباعاً، لأنها تمثل الجذور الأصيلة للمسيحية، ويجب اقتلاعها من جغرافيتها إما بالتهجير أو بتحريف العقيدة، ويأتي هذا في إطار أهداف "إسرائيل الكبرى" الرامية للقضاء على العقيدة المسيحية، التي تعتبر العدو الأول لليهودية - التلمودية، قبل أن يصبح الإسلام العدو الثاني والرئيسي لليهودية التلمودية.
 إن عدم زيارة البابا لجنوب لبنان ومقدساته المسيحية يهدف إلى عدم ترسيخ السيادة اللبنانية على الجنوب؛ لأن "قانا" تقع جنوب الليطاني، الذي تسعى "إسرائيل" لضمه إليها، أو تجريد لبنان من سيادته عليه، وهو ما يحدث الآن، إذ أصبح قرار ما يقع جنوب الليطاني بيَد "إسرائيل" وليس بيَد الدولة اللبنانية، سواء تعلق الأمر بالسلام أو الحرب، أو الإعمار والزراعة، أو حتى ترميم المقابر والمساجد والحسينيات، فالقوات الدولية والجيش اللبناني يعملان وفق ما تُمليه لجنة "الميكانيزم" وتفرضه "إسرائيل" وأمريكا، ويبدو أن الحكومة اللبنانية والفاتيكان لم يتمكنا من الحصول على "إذن إسرائيلي" يسمح للبابا بزيارة الجنوب، بعد أن عجزت فرنسا والحكومة اللبنانية عن تحصيل موافقة "إسرائيلية" لوقف الاعتداءات على لبنان أثناء زيارة البابا. 
لم يستفد لبنان من زيارة البابا سوى في المظاهر والفولكلور دون أي مكسب سياسي؛ إذ لم يطالب بانسحاب "إسرائيل" من لبنان أو بوقف الحرب عليه، ولم يقدم شيئاً لرفع الحصار، بل إن الزيارة جلبت وجهاً سلبياً بإظهار لبنان وكأنه في حالة استقرار وسلام وهدوء، لتغطية التوحش "الإسرائيلي" الممارس ضد طائفة لبنانية رفعت أعلام الترحيب بالبابا من بين أنقاض مبانيها المدمرة في الضاحية، وتحت المطر، ولم يرد قداسة البابا لها  التحية بالمثل أو أفضل منها، بل أظهرها منطقة غير آمنة، ولم يغادر سيارته المصفحة المقفلة إلا عند حدودها الشرقية!
نرحب بالبابا ضيفًا، وكنا نأمل أن يكون عونًا لنا في طرد المحتلين من أراضينا، كما طردهم السيد المسيح (عليه السلام) من الهيكل.
 يا "قداسة البابا" وأتباعه في لبنان: إن انهزمت المقاومة، فلن يبقى مسيحي واحد في الشرق.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل