أقلام الثبات
يواصل المبعوث الأمريكي توماس براك توجيه انتقادات سياسية حادة ومكثفة للدولة اللبنانية والجيش والإعلاميين والمقاومة، ويلتزم المسؤولون اللبنانيون والسياسيون والأحزاب الصمت خشية التعرض لعقوبات.
لقد أهان براك الإعلاميين، ثم أهان الجيش اللبناني واصفًا جنوده بأنهم عمال "ديليفري"، كما أعلن لبنان دولة فاشلة في ظل غياب مصرف مركزي، معترفًا بأن حاكم المصرف المركزي مطلوب دوليًا، رغم إطلاق الدولة سراحه، وسط واقع يعاني فيه المواطنون من نقص المياه والكهرباء.
تزامن هذا مع تصريح خبيث يشير إلى وجود دولة أقوى من الدولة اللبنانية، وهي "دولة" حزب الله، التي تؤمّن المياه والكهرباء، وتدفع رواتب عناصرها "المقاومين" أضعاف رواتب الجندي اللبناني، وعدد مقاتليها يقارب عدد أفراد الجيش اللبناني.
يمكن اعتبار تصريح المبعوث الأمريكي مزيجًا من الحقيقة والتضليل، في ما يتعلق بفساد الدولة اللبنانية وفشلها في أن تكون دولة راعية، بل أصبحت دولة ناهبة لأموال المودعين، تتقاسمها النخب السياسية التي اغتصبت قرارها وثرواتها، ولكن، في جوهره، يمثل هذا التصريح تحريضًا خبيثًا ضد المقاومة، عبر مديح مخادع يُظهرها كدولة مستقلة، مما يضع لبنان في وضع هجين استثنائي تحكمه دولتان:
- الدولة اللبنانية: دولة فاشلة، فاسدة، وضعيفة، تتشارك في إدارتها جميع الأحزاب والطوائف والزعماء السياسيين، وهي دولة لا يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ أي قرار، كما حدث في قرار نزع السلاح؛ حيث أصدرت القرار وعجزت عن تطبيقه ميدانيًا، مما يستدعي تكليف جهة أخرى بتنفيذه، "كإسرائيل"، أو استحداث قوة دولية خارج إطار مجلس الأمن لتكون قوات ردع متعددة الجنسيات بهدف نزع سلاح المقاومة وتثبيت المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي".
- دولة الحزب: دولة مستقلة يحكمها الحزب ولا يشاركه فيها أحد، بل يشارك في الدولة الرسمية الفاشلة، وهي الدولة الأقوى التي توفر المياه والكهرباء ورواتب عناصرها والمقاومين، وصمدت في وجه قرار نزع السلاح الرسمي، والحصار الأمريكي والقصف والاغتيالات "الإسرائيلية" أكثر من عام، دون إظهار أي نية للخضوع أو القبول بتسليم السلاح، وتعمل هذه الدولة وفق ممارسات سياسية تغلفها "التقية" والباطنية الإيجابية، والصبر الشجاع وتحمّل الاستفزازات السياسية والميدانية، رغم الخسائر في الأرواح والمعنويات.
إن انتقاد الولايات المتحدة للدولة الرسمية، ومدحها الضمني لدولة الحزب الحاكم، يشيران إلى الوضع المأزوم الذي تمر به كل من أمريكا و"إسرائيل"، حيث لم تحقق نتائجهما السياسية في لبنان التوقعات المأمولة، بعد أن فرضت أمريكا نظام حكم لتنفيذ أوامرها، كما فعلت في بقية الدول العربية، لكن الواقع كان مغايراً، وتدرك أمريكا أن الوقت ليس في صالحها، وبدأت تفقد موقع القوة الذي بلغته عند "إسقاط نظام الأسد" دون ان تتمكن من استثمار هذا المكسب الاستراتيجي للقضاء على المقاومة في لبنان، مما دفعها إلى التصريح بعصبية، وشتم حلفائها ومن عيّنتهم في لبنان، واصفة إياهم بالفاشلين العاجزين، لعدم تمكنهم من إخماد المقاومة نيابة عنها، سواء بسبب العجز أو عدم القناعة، وكلا الاحتمالين كان في صالح المقاومة، ويُعد نقطة إيجابية للمنظومة السياسية الحاكمة.
تخشى أمريكا من تكرار الخسارة في لبنان، وتسعى لتجنب التدخل العسكري المباشر خوفاً من تكرار حادثة تفجير المارينز، لذلك استبدلت وجودها العسكري بـ"الكوماندوس السياسي" الذي يتّسم بالفشل والعجز وعدم النضج، مما يستدعي تغيير قيادتها بشكل متكرر؛ فتارة يكون المسؤول هو أورتاغوس، ثم يصبح براك أو أورتاغوس وبرّاك، الأمر الذي أصاب أمريكا بالحيرة والارتباك والخوف من خسارة لبنان للمرة الثانية.
أفضل الحلول والنتائج للتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" تكمن في إعادة تفعيل اتفاقية الهدنة، وإلزام "إسرائيل" باتفاق تشرين، مقابل تعهد المقاومة بعدم استخدام سلاحها خارج الحدود اللبنانية إلا للدفاع عن النفس.
إن الإصرار على توقيع اتفاق سلام أو اجتثاث المقاومة سيؤدي إلى خسارة التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"؛ فكما انسحبت "إسرائيل" عام 2000، ستنسحب، حتى لو كان ذلك في عام 2050، وستنسحب أمريكا؛ كما حدث بعد تفجير المارينز.
المقاومة في لبنان تتميز عن أي حركة مقاومة عربية وإسلامية أخرى، لكونها تستند إلى عقيدة إسلامية - حسينية، وتعمل بمقتضى مبادئ عقيدة "الانتظار المهدوي"، ولذلك فهي لا تيأس ولا تستسلم، مهما كانت الظروف.
نصيحتنا لأمريكا و"إسرائيل" هي الاكتفاء بالمكاسب التي غنموها خارج لبنان، وعدم الطمع، لأن الإصرار على الحرب ضد المقاومة في لبنان سيفقدهم كل ما حققوه.
انتبهوا، يجب ألا تعاملوا لبنان كما تعاملون بقية العرب!
كارثة كهربائية تضرب السوريين... رفع الدعم عن القطاع الخدمي برمته _ حسان الحسن
المرتزقة لا يتغيرون .. كيف تُغسل "الكرامة" ويباع "الشرف" بالنفط؟ ـ محمد دياب
عائلة الحريري تلعب بزهرة المارغريت: نخوض الانتخابات...لا نخوضها ــ أمين أبوراشد