أقلام الثبات
هل سنشهد في المرحلة المقبلة، حملة تكفير واتهام بالردة، ستطال كل من وقّع أو سيوقّع على "اتفاقيات إبراهام" التهويدية، التي يراد منها تكريس وجود "إسرائيل العظمى والكبرى" في آن واحد؛ وإشهار يهودية حكام وسلاطين واتباع عرباً ومسلمين، كانوا متسترين، طوال قرون، بادعاء الانتماء للدين الإسلامي؛ وربما المسيحي لدى البعض؟ على اعتبار أن "إسرائيل" استطاعت أن تضرب أعداءها ضربات موجعة؛ اعتبرها المتصهينون من لبنانيين وعرباً، انها ضربات قاضية لأعداء "إسرائيل"؛ وهزيمة قاسية لمحور المقاومة، فحان الوقت بالنسبة لهؤلاء، لـ"أسرلة" المنطقة برمتها وإعادة التاريخ أكثر من أربعة عشر قرناً، ليعود اليهود إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرهما من أماكن، كانت تتواجد فيه قبائل يهودية.
بداية، لا اجتهاد في النص القرآني، الذي يحسم بتحديد "أن الدين عند الله الإسلام". وبالتالي، إن خروج أي مسلم عن دينه هو ارتداد، يختلف المسلمون حول طبيعة التعامل معه، فالفارق كبير، بل يبلغ حد التناقض، بين كلام الله في كتابه الكريم؛ وبين فتاوى بعض الفقهاء، أو ناقلي الحديث النبوي، على تناقضهم واختلافهم في ما أورد كل منهم.
فالإسلام دين أراده الله سبحانه ليحرر الناس من العبودية، لذلك جاء في النص القرآني الذي لا يمكن الاجتهاد فيه: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، و{لا إكراه في الدين}، بل خاطب النبي محمد (ص) بحسم ووضوح: "إنما أنت مبشر، لست عليهم بمسيطر". لذلك يعتبر الإسلام ان حساب الكافر أو المرتد، هو حساب اخروي عند الله وليس عند البشر.
لكن الموقعين لاتفاقيات إبراهام تحديداً؛ والمروجين لها بين العرب، هم أنفسهم يعتبرون في فقههم، أن الردة جريمة يعاقب عليها فاعلها في الدنيا قبل الآخرة؛ ويطبق عليه "حد الردة"، خصوصاً إذا انضم المرتد إلى أعداء الإسلام والمسلمين وشارك في قتالهم. مما يوجب تطبيق حد "الردة" عليه وقتله ولو اقتضى الأمر إعطائه فرصة للتوبة.
    وحقيقة "اتفاقيات إبراهام" انها ابتدعت لتكون ديناً بديلاً عن الأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام. فهي تتجاهل أن إبراهيم كان مسلماً؛ وبالتالي لو كان المقصود فعلا من تلك الاتفاقيات، العودة إلى ديانة نبي الله إبراهيم، فهو "كان مسلماً حنيفاً" كما جاء في القرآن الكريم. ومن يريد ديانة النبي إبراهيم فليكن مسلماً مثله، لكن "الاتفاقيات الإبراهيمية" تريد إعادة أتباع الديانات الثلاث إلى الديانة الأقدم، أي اليهودية، حسب الروايات التوراتية التي صاغها أحبار اليهود؛ ورسموا فيها مخطط سيطرة اليهود على العالم، طالما انهم هم الأغنى والأكثر نفوذاً؛ وبإمكانهم شراء معظم حكام الدول ورجال السياسة؛ وكل من يسعى للوصول إلى المال والسلطة.
ولذلك، حسب فقه الحكام الذين وقعوا، أو يتوقع انضمامهم إلى الموقعين على "اتفاقيات إبراهام" (وليس إبراهيم، للتذكير)، فإن هذا التوقيع هو ارتداد عن دين الإسلام. وفي الفقه ذاته، الارتداد هو كفر، بل أن "ابن تيمية" شيخ السلفية، يعتبر "أن المرتد شر من الكافر". وبالتالي، طالما أن حكام وشعوب الدول الموقعة على "اتفاقيات إبراهام"؛ ومعظمهم من أتباع فقه ابن تيمية، هل سيطبقون على كل من وقّع او سيوقّع على تلك الاتفاقيات "حكم الردة بما يوجب القتل"، خصوصاً أن هذه الردة تعني مباشرة التحاق المرتد بعدو الإسلام والمسلمين: اليهود الصهاينة والغرب الذي يدعمهم. ولم يخفي رئيس حكومة العدو عن هدفه بإقامة "إسرائيل الكبرى"، تنفيذاً للنص التوراتي: (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، حيث ستشمل مساحات من الجزيرة العربية بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومن يتابع كيف يتابع الصهاينة خرافاتهم التوراتية، سيعرف أنهم يخططون للعودة إلى مكة والمدينة. وسينتقمون لهزيمتهم (إذا استطاعوا) في حصن خيبر ولمذبحة بني قريظة. وسيقيمون تمثالاً لبطلهم مرحب، الذي قتل بسيف الإمام علي بن أبي طالب. وسينبشون قبر النبي وقبور الصحابة، وسيهينون كل ما له صلة بالنبي وآل بيته. ومن يظن ان هذه أوهام، فليتذكر أن العرب والفلسطينيون والمسلمون، ما كانوا يظنون أن اليهودي المغربي "بن غفير" سيستبيح القدس والمسجد الأقصى؛ أو أن جيش العدو سيتموضع على حدود دمشق؛ أو أن الحكومات العربية ستقف متفرجة على إبادة أكثر من ربع مليون فلسطيني في غزة، بين شهيد وجريح. كان ذلك أمراً يشبه المستحيل، لكن تواطؤ الحكام وانخراط بعضهم في المشروع الصهيوني، حوّل الأوهام اليهودية إلى وقائع. والسؤال الذي لا بد منه هنا: لماذا "الاتفاقات الإبراهيمية" تقتصر على بعض الأنظمة العربية، خصوصاً الخليجية، ولا امتداد إسلاميا او مسيحياً لها؟ طبعاً الجواب معروف، لأن المطلوب هو تأمين نطاق امان عربي لكيان الغزاة الصهاينة، يشكل أرضية تكرس حالة القوة والغطرسة "الإسرائيلية"؛ وحالة التبني المطلق الأميركي والغربي لهذا الكيان العدواني التوسعي، الذي يمثل ثكنة عسكرية متقدمة للغرب ولمصالح اميركا ودول حلف "الناتو"، بما يجعلها بالفعل حملة صليبية جديدة، تشكل "إسرائيل" رأس حربتها، بعدما فشلت دول الغرب الأوروبي في مواصلة تلك الحملات وفي الحفاظ على احتلالها المباشر للدول العربية.
المرتدون "الإبراهاميون" ــ عدنان الساحلي
                
                     الجمعة 31 تشرين الأول ,  2025 10:05 توقيت بيروت
                
                
                    
                        أقلام الثبات                
            
            
             
         مقالات وأخبار مرتبطة
            مقالات وأخبار مرتبطة
         
                 
                         
                     
                     
                         
                         
                         حرب "الصبر" المقاوم... المكاسب والخسائر ــ د. نسيب حطيط
                        حرب "الصبر" المقاوم... المكاسب والخسائر ــ د. نسيب حطيط                      لجنة "الميكانيزم"... لإطلاق النار على المقاومة ــ د. نسيب حطيط
                        لجنة "الميكانيزم"... لإطلاق النار على المقاومة ــ د. نسيب حطيط                      " أيّام قتاليّة بانتظار حزب الله ".. هل يشدّ لبنان الأحزمة؟! _ ماجدة الحاج
                        " أيّام قتاليّة بانتظار حزب الله ".. هل يشدّ لبنان الأحزمة؟! _ ماجدة الحاج                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                    