الجنرال "أورتاغوس"... والتفاوض المباشر مع "إسرائيل" ــ د. نسيب حطيط

الثلاثاء 28 تشرين الأول , 2025 10:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تضغط الولايات المتحدة لإجبار لبنان على التفاوض المباشر مع "إسرائيل"، بهدف التوصل إلى حلول ترضي "إسرائيل"، وتُنفذ هذه الحلول وفقاً للقرار 1701 المشؤوم، واتفاق تشرين الذي وُصف بالأكثر شؤما، وكلاهما كان برعاية وضمانة أمريكية.
كان لافتاً ظهور المبعوثة الأمريكية إلى لبنان، أو ما يُوصف بـ"الحاكم الأمريكي الجديد"، أورتاغوس، في صورة جمعتها بوزير الدفاع "الإسرائيلي" والقادة العسكريين "الإسرائيليين"، وهي تستطلع الأراضي اللبنانية من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي هذه الصورة أعلنت بوضوح أن الحرب على لبنان ومقاومته وطائفته، ليست حرباً "إسرائيلية" فحسب، بل هي حرب مشتركة بقيادة أمريكية - "إسرائيلية" على المستويين السياسي والعسكري.
قدمت أورتاغوس من "المطلة" حلاًّ لشكل التفاوض بين لبنان و"إسرائيل"، وحسمت الجدل حول طبيعته (مباشر أو غير مباشر) بالقول إن التفاوض مع أمريكا هو بحد ذاته تفاوض مباشر مع التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"، وبالتالي فهو مكافئ للتفاوض المباشر مع "إسرائيل"، فإذا تفاوض لبنان مع أمريكا ووقّع، ستأخذ أمريكا كل التنازلات دون تقديم أي شيء أو الالتزام بالاتفاق، كما حدث في "اتفاق تشرين". وإذا تفاوض مع إسرائيل مباشرة، فستأخذ "إسرائيل" كل ما تطلبه دون تقديم شيء أو التزام، كما فعلت في اتفاق تشرين والقرار 1701 والقرار 425، لذلك، فالتفاوض مع "إسرائيل" عبر وفد أمريكي يعني التفاوض المباشر مع "إسرائيل"، الصورة تتغيّر لكن المضمون والنتائج تبقى كما هي وهذا يذكرنا بما جرى في جنوب لبنان وما فعله أصحاب المطاعم بعد تولّي حركة أمل المسؤولية عقب الانسحاب "الإسرائيلي"، فمنعت تقديم الخمور، فالتف أصحاب المطاعم على القرار عبر تقديم الويسكي في عبوات بديلة للبيبسي.. لقد التزموا شكلياً ولم ينفذوا روح القرار... وهكذا ستفعل أمريكا.
السؤال المطروح هنا: ما هي أهداف ورسائل الصورة المشتركة بين "أورتاغوس وقادة الاحتلال"، وقيامها بالاستطلاع على الجنوب من الجبهة "الإسرائيلية"، علماً أنها كانت تستطيع، وسبق لها أن فعلت، استطلاع الجنوب من داخل لبنان، حيث كان سيفرش لها السجاد الأحمر وتُقدم لها الضيافة والتسهيلات كافة؟
أرادت "الجنرال أورتاغوس" أن تقول إن المعركة القادمة هي معركة أمريكية بامتياز، وستكون "إسرائيل" والسلطة اللبنانية وبعض الطوائف والأحزاب والشخصيات والنواب والوزراء اللبنانيين، بالإضافة إلى بعض الدول العربية، مجرد أدوات وجنود في خضم الحرب الشاملة ضد المقاومة ومكوّناتها، حيث ترى أمريكا أن كبرياءها وهيبتها ومعنوياتها تُهان مجددًا في لبنان، بعد أربعين عامًا على أحداث المارينز والسفارة، وتعتقد أنه إذا لم تسيطر على لبنان، فلن تكون هناك حياة للشرق الأوسط الأمريكي أو "لإسرائيل" الكبرى، حتى لو وُلدا، وأن التطبيع والسلام في المنطقة مستحيل ما بقيت المقاومة، وهذا ما أكّده السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام بقوله: "من غير الممكن أن يكون هناك شرق أوسط طبيعي ما دام حزب الله موجودًا... شرق أوسط مع حزب الله لا يمكن أن يكون طبيعيًا، ورسالتي إلى المنطقة هي، إذا أردتم التطبيع، فعليكم نزع سلاح حزب الله بطريقة أو بأخرى".
إن مسؤوليتنا عظيمة وكبيرة، فنحن آخر ما تبقى من أمة دخلت "سن اليأس" وأرذل العمر، وستكون الحرب علينا شديدة وقاسية ومتعدّدة المحاور، حتى نستسلم ونسلم مفاتيح الأمة ودينها وثرواتها إلى "اللات الأمريكي" و"العزى الإسرائيلي"، ولكننا لن نفعل.
نحن قادرون على الصمود إذا أحسنّا إدارة الحرب وغيّرنا وسائلها وخططها وأشخاصها، بل وحتى تسمياتها وهيكلياتها التنظيمية وتعدّدها، والأهم هو أننا لا نستطيع القتال بمواقع عسكرية ثابتة، لعدم امتلاكنا سلاح جو أو دفاع جوي، لذا يجب علينا اتباع وسائل أكثر مرونة، مثل استراتيجية "مقاومة الرجل الواحد" أو "الاثنين"، والمقاومة المتنقّلة، وتوسيع الجغرافيا، وتطوير الوسائل، ومغادرة مقاومة تقليد الجيوش الكلاسيكية، فنحن لا نملك العدد، ولا سلاح الجو، ولا التقنيات الحديثة... وأولى الخطوات هي إلغاء اللباس العسكري، ومنع تصوير الاحتفالات.
الأولوية والغاية الأساسية الآن هي حفظ المقاومة وعدم الاستسلام، فنحن من المُنتظرين الممهّدين المدافعين، ولسنا من الفاتحين، فربما لا نستطيع الانتصار اليوم، لكن واجبنا هو ألا نُحمّل الأجيال القادمة توقيعات الاستسلام والتنازل عن الحقوق.
لا يزال في هذا النفق "كوّة ضوء" تتمثل في حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، والموضوعية والعقلانية، والصبر الشجاع. وسينصرنا الله المنتقم الجبّار... لا تيأسوا ولا تحزنوا، فلكم في رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة، فأمريكا ليست أقوى من فرعون، وهي كأصنام الجاهلية نستطيع تحطيمها... وسنحطمها بإذن الله تعالى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل