أقلام الثبات
تتعرّض الطائفة الشيعية منذ سنتين لحرب شاملة؛ عسكرية واقتصادية ونفسية وسياسية من الداخل والخارج، "لتأديبها ومعاقبتها" على ثباتها وعدم الاستسلام والتطبيع، بعدما بقيت وحيدة مع بعض الوطنيين من بقية الطوائف خارج الأغلبية اللبنانية التي تنادي بالتفاوض المباشر والتطبيع و"السلام" مع العدو "الإسرائيلي"، ونزع سلاح المقاومة.
لا زالت الهجمات العسكرية "الإسرائيلية" تغتال المواطنين، وتحاول تدمير ما تدّعيه أنه مواقع عسكرية للمقاومة، بالتزامن مع تفجير الجيش آلاف الصواريخ، وقيام القوات الدولية بالمداهمات نيابة عن العدو "الإسرائيلي"، كما يقوم "مقتفو الأثر" من البدو العرب في "إسرائيل" باقتفاء آثار المقاومين، ويمكن توصيف القوات الدولية بقوات "مقتفي الأثر"، لتطارد المقاومين "مفقودي الأثر".
بدأت "إسرائيل" وأمريكا المرحلة الأخطر من الحرب وهي "الحرب الاقتصادية"، بمساعدة الحكومة اللبنانية وبعض الطوائف والأحزاب والمصارف والمؤسسات المالية، بعنوان الحرب الناعمة القاتلة طويلة الأمد، التي دخلت السنة الثالثة من عمرها وربما تمتد لعشر سنوات او أكثر، وفق قدرة الصمود لأهل المقاومة وحسن إدارة الأزمة بوجهها الاقتصادي، فبالتزامن مع تدمير العدو للبيوت والمنشآت، تقوم الدولة بتسطير محاضر الضبط لقمع المخالفات في القرى المدمرة.
تمنع أمريكا وصول أموال إعادة الإعمار، وتتعاون الحكومة اللبنانية ومصارفها ومؤسساتها المالية بالامتناع عن قبول مساعدات الإعمار، ومنع تحويل الأموال.
تفرض أمريكا عقوبات مالية على المواطنين اللبنانيين، فتبادر الحكومة والمصارف والمؤسسات وتحويل الأموال إلى إقفال حساباتهم وتطبيق القوانين الأمريكية في لبنان، وإسقاط حقوقهم المدنية، فلا يستطيعون بيعًا ولا شراءً.
تدمّر "إسرائيل" معامل الإسمنت ومجابل الزفت والشاحنات والجرافات وكل الآليات بحجة أنها قد تساعد في إعادة ترميم البنى التحتية للمقاومة، ولا نعرف ما هو دور الزفت في صناعة الصواريخ أو حفر الأنفاق.
تمنع إسرائيل وأمريكا والحكومة اللبنانية والمصارف وصول مساعدات مالية من تبرعات فردية لمساعدة الأيتام والعوائل المهجرة، وتقصف مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، مع حوالي 15 ألف يتيم طفل يتيم هم ضحايا الحرب من عمر شهر حتى العاشرة، مع ما تشكله هذه الظاهرة من مشاكل اجتماعية وأسرية في ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة والبطالة والحصار.
تقوم "إسرائيل" بحرب نفسية وترهيب عبر مسيّراتها الليلية التي تبث التهديدات بأسماء الأشخاص المدنيين وعبر أصواتها المرعبة لترهيب أهل الجنوب بالقصف الذي يكاد يماثل التفجيرات النووية، وبالترهيب الصوتي الذي بدأ يصيب الناس بأمراض عصبية ونفسية، بعد سنتين من أصوات المسيرات المزعجة والغضب المكتوم على ما يعيش الناس.
يعيش أهل الجنوب الحسرة والحزن كلما سمعوا وشاهدوا قصف أو تفجير "إسرائيل" لنفق من أنفاق المقاومة أو يفجر الجيش اللبناني صواريخ المقاومة، فيحزنون على جهد الشباب المقاومين طوال 20 عامًا على تعبهم وحفرهم للأنفاق ونقلهم للصواريخ، لكل هذا التعب الصادق والمخلص والذي تم تكفينه بأكثر من أربعة آلاف مقاوم شهيد، ما زالت أشلاؤهم في قرى الجنوب، مما يزيد معاناة الناس حزنًا وحسرة، ولا يستطيعون حماية أبنائهم.
إن المأساة التي تعيشها الطائفة هي عدم ارتقاء إدارة الأزمة من قبل أولي أمرها السياسيين والدينيين بما يناسب التحديات وتستغرب كيف يجتمع كل قيادات ونواب ووزراء ومشايخ الطائفة في عزاء وجيه أو تاجر أو افتتاح ديوانية أو مطعم، لكنهم لم يتداعوا لاجتماع طارئ ومؤتمر عام، لبحث ما تعانيه الطائفة وكيفية معالجة مشاكلها وحماية مستقبلها، فالناس متروكة لتدبير أمورها بنفسها، دون الالتفات إلى ما تعانيه الطائفة من مشاكل اقتصادية واجتماعية على مستوى الأسر والأيتام والمخدرات والضيق الاقتصادي والبطالة، بعدما تم تدمير المحلات والمؤسسات التجارية، ولا يستطيع أصحابها البدء ثانية مع وجود أكثر من 30 ألف عائلة خارج بيوتهم وقراهم المدمرة.
يتفهّم الناس أن تقصفهم وتحاصرهم "إسرائيل" أو الدولة أو بقية الطوائف، لكنهم يتساءلون عن ممثليهم وقياداتهم وأحزابهم ومشايخهم الذين أعطوهم طوال 40 عامًا دون تردد، ويتساءلون: لماذا تخليتم عنا لنبقى وحدنا، نعاني القتل والحصار والفقر والتجويع والعطش ولا تتذكروننا إلا في الانتخابات النيابية والبلدية..؟
ربما سيحتج أهلنا الشرفاء، بصمت لأنهم أهل مبادئ وثبات وهم مقاومون على "أصلٍ" وفطرة ولن يتركوا المشروع المقاوم، لكنهم سيحاسبون المقصّرين من مسؤوليهم.
فلتبادر "الثنائية" والمؤسسات الدينية، لمعالجة جراح الطائفة النازفة وتخفيف آلامها قبل أن تصبح غير قادرة على العطاء والصمود وينجح المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي" بتجفيف "بحر المقاومة"، فيموت "السمك المقاوم" بالجفاف وليس بالقصف.
هل من مجيب؟ {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔوولُونَ}.
الطائفة المقاوِمة في مواجهة الحرب الشاملة _ د. نسيب حطيط
السبت 18 تشرين الأول , 2025 11:35 توقيت بيروت
أقلام الثبات

