أقلام الثبات
تتعرّض الطائفة الشيعية لحرب متعددة المحاور، لا تقتصر على المحور العسكري، بل الاقتصادي والمالي والديني والثقافي والاجتماعي، ويمثل محور الحرب الناعمة الثقافية، العمودَ الفقري والمحور الأساسي الذي يعتمده العدو، وهو محور لا يعتمد الضربات القاتلة السريعة، بل الاختراق البطيء الذي يمتد لسنوات وربما لعشرات السنين لاختراق العقل وتغيير العادات والمفاهيم والسلوكيات، لاستعمار العقل وتلقيحه بما يتناقض مع الدين والأخلاق والقيم.
خلق الله سبحانه الناس لهدف رئيس ومحدد وينحصر في عبادته {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}، مما يستوجب تسخير كل شيء في الحياة؛ من أنفس وأموال وسياسة وألقاب ووظائف وإمكانيات، لهذا الهدف الحصري (عبادة الله)، وليس العكس كما هو حاصل في أغلب الأحيان، حيث يصبح الدين غطاء للعمل السياسي وعبداً له، ومهنة عند البعض أو بوابة للحضور الاجتماعي والارتزاق، مما يُفرغه من دوره السياسي والاجتماعي، ويحوّل هؤلاء أمثلة سيئة تُنفّر الآخرين من الدين وعبادة الله سبحانه.
الأخوة علماء الدين والمؤسسات الدينية:
تتعرض الطائفة الشيعية لخطر وجودي، وتعيش أوضاعاً معيشية ونفسية وأمنية صعبة، مما ينعكس على عقيدتها وأمنها الاجتماعي الذي بدأت نُذُره المشؤومة تظهر في البيوت والجامعات، وفي الأسر التي تتزايد فيها حالات الطلاق و تشتت العائلات أو انحرافات سلوكية وأخلاقية وصلت إلى بعض ظواهر "الإلحاد" عند البعض؛ كردة فعل عما يعيشوه، دون أن يلتفت إليهم أحد؛ في غياب شبه كامل لعلماء الدين، وكذلك المؤسسات الدينية الريعية التي لا يستفيد الناس في أكثر الأوقات من مردودها، سواء بالإيجار أو بالاستثمار، ويتم تأجيرها ببدل بخس رمزي، ويتم التعدي على مال الله، فيتصرف عالم الدين أو وكيل الوقف، وبصفته "وكيلاً عن الله سبحانه"، فيبيع الوقف أو يؤجره أو يبادله كمالك له.
تحتضن الطائفة الشيعية ما يقارب 1500 عالم دين، بينهم العالم والمعمم، وبينهم العامل والعاطل عن العمل، ومنهم العامل في سبيل الله والعامل في سبيل نفسه، لكن بالمجمل العام فإن حاله التقصير أو الغياب شبه الكامل عن التثقيف الديني والفقهي والشرعي أو العمل الاجتماعي لمساعدة الناس بالمعطى المادي أو استنقاذ الشباب من انحرافهم أو تعليم الناس شؤون دينهم، فتكاد هذه الصفة تجمع اغلب علماء الدين... ونسأل هؤلاء الأخوة: ما دمتم تطوعتم لطلب العلم الديني ولبستم اللباس الديني فلماذا لا تعملون وفق ما اخترتم؟ ونتمنى على كل عالم دين أو معمم أن يحاسب نفسه أمام الله وليس أمام الناس، لأن البعض يعتبر نفسه فوق الناس ولا حقّ لأحد أن يحاسبه أو يوجه له ملاحظة أو نقداً أو نصيحة.. ونسأله للاستيضاح وليس للمحاسبة: ما هي الدروس الثقافية التي تعطيها في الأسبوع الواحد؟ وكم مرة تصلي صلاة جماعة في مسجد القرية في الأسبوع الواحد؟ وما هي الزيارات الاجتماعية التي تقوم بها لحل الخلافات بين الأزواج أو بين الجيران؟ وما هي السهرات الثقافية في البيوت أو في المسجد أو في القاعات التي تحييها؟
ماذا فعلت لأهلك أثناء الحرب وماذا تفعل الآن من أجل عودتهم أو تلبية حاجاتهم المعيشية التي يواجهونها؟
هل تداعيتم لمؤتمر عام يجمع علماء الدين من كل التوجهات الحزبية مع المستقلين لدراسة أوضاع الطائفة وحاجاتها؟
هل تداعيتم لطرح خطة طوارئ عقائدية وثقافية واجتماعية، لإنقاذ الأسر والشباب من مآسي الحرب والفقر؟
هل تداعيتم يوماً لمعالجة مشكلة المخدرات التي تنخر المجتمع اللبناني، ومن ضمنها الطائفة الشيعية بشبابها وطلابها؟
ماهي المؤلفات والأبحاث التي أصدرتموها خلال حياتكم وتفرغكم للعمل الديني؟
لماذا تتحوّل الجمعيات الدينية الخيرية إلى جمعيات عائلية؟
إذا لم تبادروا لكل ذلك، فأنتم مقصرون وشركاء في ما تعانيه الطائفة من مشاكل اجتماعية وأخلاقية وعقائدية!
أنتم مسؤولون عن كل شاب يتجه نحو الإلحاد أو الانحراف والمخدرات لأنكم لم تبادروا لمد يد العون وإضاءة الطريق أمامه وهدايته.
بادروا قبل أن يُسقطنا الآخرون عقائدياً... بادروا وجاهدوا في سبيل حماية العقيدة والأخلاق حتى لا يسقط السلاح ولا تسقط المقاومة، فالعقيدة والأخلاق يحميان ويحرسان السلاح... وليس العكس.
أنتم مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الناس، وإن امتنع الناس عن محاسبتكم، فلا يعني أنكم على صواب.
هذا الرسالة موجهة لكل عالم دين يعلم الله سبحانه أنه مقصّر وتاجر... فالله يرى يعلم السر وأخفى...
رسالة للأخوة علماء الدين والمؤسسات الدينية ــ د. نسيب حطيط
الخميس 16 تشرين الأول , 2025 10:28 توقيت بيروت
أقلام الثبات

