أقلام الثبات
تقترب الذكرى السنوية الثانية لعملية "طوفان الأقصى"، التي أحدثت زلزالاً في منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال حممه تحرق الكيانات والدول والقادة وحركات المقاومة لصناعة "شرق أوسط جديد"، بدون حرب عالمية ثالثة، وبانتظار رسم الحدود النهائية لدول المنطقة التي رسمتها اتفاقية "سايكس - بيكو" ، لتجزئة هذه الدول وتقسيمها بعناوين مذهبية وطائفية وقومية لا تمتلك القوة والإمكانيات، وستبقى في صراع دائم مع جيرانها، وستكون إمارات هشّة وضعيفة، وفق ما قاله المبعوث الأمريكي توماس برّاك: "هذه المنطقة كانت قبائل وعشائر، والغرب هو من صنع الدول، وهو الذي سيعود لإرجاعها إلى ما كانت عليه من عشائر وقبائل ومذاهب وطوائف".
بدأت معركة طوفان الأقصى واستطاع التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" - العربي - التركي احتواءها وخوض معركة طوفان الشرق الأوسط لولادة "إسرائيل الكبرى".
إن الجدل والنقاش حول صوابية "طوفان الأقصى" أو الخطأ الذي ارتُكب لا يزال قائماً، ولن ينتهي وصولاً إلى اتهام البعض بتوريط المحور، أو الخطأ في تقدير الموقف، أو القيام بعملية فوق قدراتها، مما أوقعنا في كمين "إسرائيلي" واستدرج محور المقاومة للمشاركة السريعة والمتفرّقة، وأصابنا بضربات قاتلة.
بعيداً عن الاتهامات، ،لا شك في أن المقاومين في غزة قاموا بعمل صادق ومخلص لا تشوبه أي تهمة سلبية، وما تعرّضوا له من إخفاقات وخسائر وعدم تحقيق المكتسبات والإنجازات لا يتعلّق بالمقاومين فقط، بل لابد من نظرة واسعة حول الحرب التي خاضوها منفردين محاصرين، مقابل تحالف عالمي متوحش يملك القدرات العسكرية والمالية والإعلامية الهائلة والضخمة، ويمكن إظهار بعض أسباب الفشل:
عدم الدقة في تقدير الموقف ،لاعتقاد قادة المقاومة بإمكانية تنفيذ عملية أسر كبرى لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وتحقيق بعض المكتسبات السياسية والأمنية، وإبقاء العملية عملية موضعية ومحدودة، ولم يستفيدوا من تجربة المقاومة اللبنانية في عملية "الأسيرين" التي أعقبتها حرب 2006.
إمكانية وقوع المقاومة في كمين استكباري، ومعرفة العدو بالعملية واستدراجه للمقاومين، عبر غيابه وصمته الميداني، وعدم المطاردة.
تفرّد "الجناح العسكري" بالقرار، وعدم الشراكة مع محور المقاومة والجناح السياسي لحماس، مما فاجأ وأربك محور المقاومة واستدرجه إلى مشاركة ميدانية سريعة، بدون تحضير واستعداد.
مشاركة أمريكا وتركيا وأكثر العرب في الحرب بشكل مباشر، وتخلّي أغلب العرب والمسلمين؛ بأنظمتهم وشعوبهم وأحزابهم وجماعاتهم التكفيرية وإعلامهم عن نصرة غزة ،بل وتحميل المقاومة المسؤولية وتبرير الإرهاب "الإسرائيلي"، ولم يبقَ مع غزة من المسلمين إلا "الشيعة"، وهذه نقطة الضوء الوحيدة التي أثبتت الوحدة الإسلامية، وأكدت أن التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" عدوٌ للمقاومين؛ سواء كانوا سنة أو شيعة أو علمانيين.
انقسام الموقف الفلسطيني، حيث ظهرت معركة غزة أنها معركة حماس والجهاد وبعض الفصائل، ومعركة بعض الفلسطينيين وليس كل الشعب ، فالسلطة الفلسطينية غير مؤيدة للمعركة، وكذلك أغلب الفلسطينيين في الخارج كانوا خارج المشاركة والتضامن، حيث ظهرت مظاهرات أوروبية وأمريكية أكثر شراكة وتأييداً حتى من الفلسطينيين المقيمين في أوروبا وأمريكا.
ربما لم تحقق معركة طوفان الأقصى انتصارات مادية، مع كل بطولاتها الأسطورية، وإلحاقها خسائر كبيرة في الجيش والمجتمع "الإسرائيلي"، الذي يقاتل لأول مرة طوال سنتين، واستطاع اليمن إغلاق البحر الأحمر، واستطاعت المقاومة اللبنانية التي كانت شريكاً ميدانياً كبيراً في معركة طوفان الأقصى ودفعت أثماناً كبيرة، مشاغلة الجيش "الإسرائيلي"، لكن من عدم الإنصاف قول إنها لم تحقق أي نتائج إيجابية، ومنها:
أظهرت عجز الكيان عن حماية نفسه، وحاجته الدائمة للمساعدة الأميركية والخارجية للبقاء.
قدرة حركات المقاومة على الصمود، مما ينفي تبرير المستسلمين لعدم المواجهة.
ان الأطماع "الإسرائيلية" لا تنحصر في فلسطين ولبنان، بل في كل العالم العربي والإسلامي.
كشفت عورة تركيا و"الإسلاميين الجدد" والجماعات التكفيرية التي تنادي بنصرة أهل السنّة ضد الشيعة، بينما خذلوا أهل السنة في غزة.
ولادة جيل من أبناء الشهداء او الذين تدمّرت بيوتهم يحمل القضية لعقود قادمة ويمنع موتها.
"طوفان الأقصى" خسارة معركة في حرب لم تنته ولن تنتهي، وحلقة من حلقات النكبة الفلسطينية عام 1948، والمشاركون أنفسهم من المتآمرين العرب والأعداء من امريكا وبريطانيا...
لا بد من قيام حركة مقاومة عربية - اسلامية شاملة لمواجهة الاستعمار الأميركي الجديد و"الديانة الإبراهيمية" الجديدة، فحركات المقاومة المنفردة لن تستطيع الصمود أمام الوحش الأميركي.
لا تيأسوا... نحن قادرون على النهوض ثانية بإذن الله... لم تنته الحرب.
طوفان الأقصى... شرف المحاولة وصمود سنتين _ د. نسيب حطيط
الأحد 05 تشرين الأول , 2025 11:18 توقيت بيروت
أقلام الثبات

