أحمد الشرع.. والسقطة القاتلة في "وادي النصارى" _ أمين أبوراشد

الجمعة 03 تشرين الأول , 2025 09:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

سواء كان أصل تسمية سوريا يعود إلى كونها أرض السريان، أو "شوريا" نسبة للأشوريين، فإن مسيحيي وادي النصارى ليسوا من مخلفات الحملات الصليبية، بل هم أهل الأرض التي مشاها بولس الرسول مبشراً العالم بالمسيحية، التي انسجم معها إسلام بلاد الشام على مدى قرون، إلى حين قدوم التكفيريين عبر أمثال المدعو أبو محمد الجولاني، وسقطت سوريا في جهنم الشياطين، ولكن هي السقطة القاتلة لمَن ادَّعى أنه سيكون "بولس أهل السنَّة".

ذكرنا سابقاً ضمن مقالة بعنوان: "رسالة الجولاني للبغدادي، تطهير بلاد الشام من الأقليات"، أن الباحث اللبناني في شؤون الجماعات السلفية نضال حمادة، أعلن عبر إطلالة تلفزيونية أنه يمتلك نسخة من رسالة أبو محمد الجولاني إلى أبي بكر البغدادي عام 2013، وهي تقع في خمسٍ وخمسين صفحة، اقترح فيها الجولاني على البغدادي وجوب البطش بالأقليات السبع، عبر القتل والتنكيل والتهجير، وعلى أساس هذه الرسالة أمر البغدادي بتعيينه أميراً للدولة الإسلامية في بلاد الشام، وهذه الأقليات التي أوردها الجولاني في رسالته هي: العلوية، والدرزية، والإسماعيلية، والمرشدية، والأيزيدية، والشيعية والمسيحية.

وإذ أضاف حمادة في المقابلة أن الجولاني بدَت عليه ملامح التغيير الإيديولوجي عام 2021، خلال زيارة صحفي أميركي له، حيث أباح أنه كتب تلك الرسالة وهو يافع، فإن الجولاني، الشرع اليوم، لم يتغيَّر كما يدَّعي، سواء من خلال الأداء العدواني لهيئة تحرير الشام بحق الأقليات، من علويين ودروز ومسيحيين، أو من خلال أسلوب القمع السياسي الذي يعتمده منذ فرض المؤتمر الوطني "المسرحي" على السوريين، أو في الإعلان الدستوري الذي منح فيه نفسه سلطات "الخليفة" الحاكم بأمر الله.

وعلى افتراض أن أحمد الشرع كان قد خلع عن نفسه بذلة الجولاني منذ العام 2021، وخضع لدورات تدريبية وتأهيلية للحكم مدتها ثلاث سنوات، على أيدي البريطانيين، بإشراف أميركي، ودخل دمشق وارتدى ربطة العنق، فهو لغاية الآن لم يتحرر من ثقافة جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام، ولا هو قادر على التحرر من أزلامه، ومن "جنوده" المتطرفين الذين ما وطئوا أرضاً سورية إلا وجعلوها بُرَكاً من دماء، سواء في الساحل أو السويداء أو وادي النصارى.

وإذا كان وضع الأكراد في الشمال الشرقي محسوماً من البداية، نتيجة تظلُّمهم من اتفاقية سايكس - بيكو التي حرمتهم من دولة مستقلة منذ ما قبل مئة عام، وهُم على "حكم ذاتي" حاصلون قريباً، سواء رضي الشرع أم لم يرضَ، وليت أبناء الطائفة العلوية في الساحل حذوا حذو الأكراد ولم يسلموا أسلحتهم، ربما كانوا نجوا من أشنع مجزرة تحت مسمى "القضاء على فلول النظام".  

وحسناً فعل أبناء السويداء عندما تمسكوا بسلاحهم بانتظار عقد مؤتمر وطني حقيقي تنتج عنه دولة مدنية علمانية، لأن هذا السلاح أثبت قدرته على حمايتهم من الغدر، لا بل ذهبوا بعد مجازر الجنوب السوري إلى أبعد من المطالبة بفيدرالية، ودفعت بهم التجاوزات التي انتهكت الأعراض والكرامات والأرزاق نحو المطالبة بالتقسيم، في حال استمرت حكومة أحمد الشرع في الهيمنة على القرار المركزي في دمشق.

وإذا كانت جريمة قتل شابين وجرح ثالث من قرية معاز في وادي النصارى لا تُقاس إطلاقاً بمجازر الساحل والجنوب، لكن هذا لا يعني أن المسيحيين أو من بقي منهم في سوريا هم بمأمن من الإرهابيين، أو أن هناك غطاءً غربياً يحميهم ويضع خطوطاً حمراء على حدود بلداتهم وقراهم، بل إن حمايتهم تأتي من إخوانهم أبناء الطوائف الأخرى، من السنَّة في حلب وحماه وحمص ودمشق، ومن العلويين في الساحل، ومن الدروز في ريف دمشق والسويداء.

جريمة وادي النصارى، على صغر حجمها بالمقارنة مع جرائم التكفيريين في الساحل والجنوب، كانت لها أصداء مغايرة في أميركا والغرب، كون المسيحيين غير مسلحين في الأساس، مع وجود عناصر منهم ضمن "قسد"، ووادي النصارى في حمص خالٍ من أي سلاح، بما يعني أن هذا النظام المجرم ماضٍ في سياسة القضاء على الأقليات، سواء فرضوا وجودهم كما الأكراد، أو انتصروا كما الدروز، أو استسلموا وسلموا أسلحتهم كما العلويين.

وكائناً ما كانت قوة الأقليات في مناطقهم، فإنهم يسعون لحماية بعضهم مع السنَّة الرافضين لسياسة التكفير، لكن هذه الأقليات لا تستطيع اقتلاع أحمد الشرع من كامل سوريا، وهذه المسألة لم تعُد بعيدة عن متناول الطائفة السنية ذات الغالبية الديمغرافية والهيبة السياسية الشعبية، وقد تكون دمشق قد باتت جاهزة سنِّياً لوقف عملية نحر سوريا والانقلاب على أحمد الشرع بالتي هي أحسن، وليس طرح أسماء شخصيات سنِّية مدنية وعسكرية سوى البداية لسوريا فيدرالية، تتم الآن دراسة وضعها لإدارتها من دمشق بعد "ترحيل" أحمد الشرع وتنصيب شخصية من "إسلام بلاد الشام" لإعادة ترميم سوريا على أسس صحيحة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل