المقاومة بين نزع السلاح... ونزع الصورة ــ د. نسيب حطيط

الخميس 25 أيلول , 2025 10:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
لا زالت المقاومة تتعرض لإطلاق نار خارجي من العدو "الإسرائيلي"، وإطلاق نار سياسي من الداخل اللبناني ضمن مشروع المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي"، للقضاء عليها، وفق ما صرح به جهارًا المبعوث الأمريكي توماس براك، وإعلانه أن هذه المهمة الداخلية لتصفية المشروع المقاوم (وليس المقاومة المسلحة على المستويات العسكرية والثقافية والمالية والفكرية) ستكون بتكليف الجيش اللبناني الذي ستسلّحه أمريكا ليس لقتال "إسرائيل" إنما لقطع رأس المقاومة في لبنان، والتي يتعامل معها الأمريكيون وحلفاؤهم على أنها "الأفعى" التي يخافون ان  تلتهم سحرهم ومؤامراتهم، كما التهمت أفعى النبي موسى (عليه السلام) - بإذن الله - سحر فرعون.
يظن البعض، ومنهم بعض قوى المقاومة، أن الحرب الأمريكية - "الإسرائيلية" على المشروع المقاوم تقتصر على نزع السلاح و الصواريخ الدقيقة والاستراتيجية فقط، وهذا ظن خاطئ وسطحي، فهدف الحرب الأمريكية هو اقتلاع المشروع المقاوم من جذوره،  وإلغاؤه كفكر وثقافة وسلوك، لأنه لا يمكن "لإسرائيل الكبرى" أو "الشرق الأوسط الأمريكي الجديد" أن يعيشا حالة أمان واستقرار إذا بقيت فكرة المقاومة داخل الأمة، فالصواريخ والأسلحة إذا تم نزعها اليوم يمكن تعويضها وتأمين بديل عنها بعد سنة أو سنتين، أما نزع ثقافة وفكر المقاومة فيحتاج إلى أجيال لإعادة إحيائه ليكون حافزًا ومحرّضًا وملهمًا للأجيال القادمة لكي تقاوم، وإلا فإن الأمة ستعيش حالة استعمار واستحمار واستعباد لقرون قادمة.
إن الحرب الأمريكية - "الإسرائيلية" ستكون على ثلاثة محاور:
- المحور الساخن "الإسرائيلي" الذي سيستمر بقصف مخازن المقاومة واغتيال المقاومين، وتدمير ما تبقى وما تم إعادة بنائه وتجهيزه، بالتلازم مع منع إعادة الإعمار وتثبيت الشريط العازل الخالي من السكان والحياة.
-  المحور الناعم السياسي، والذي ستقوده الدولة اللبنانية بكل أجهزتها الأمنية والعسكرية والإدارية، وتُعاوِنها الطوائف والأحزاب والإعلاميون الذين يعملون لخدمة المشروع الأمريكي، إما لتحقيق مصالحهم أو لحماية مستقبلهم السياسي مع ورثتهم السياسيين ومذاهبهم.
- المحور الثالث، وهو الأخطر الذي يرتكز على حشد المذاهب الإسلامية الأخرى، خصوصاً الجامعات التكفيرية، مع بعض المثقفين والإعلاميين وأهل الفكر، لشيطنة الفكر السياسي الشيعي ،ابتداءً وتقسيم الشيعة لأطراف تتصارع مع بعضها عقائدياً وطقوسياً، ثم تتناقض سياسياً لتحضيرها للصدام العسكري فيما بينها وإسقاطها جميعًا للقضاء على المشروع السياسي والديني الشيعي في العالم، الذي يقاوم وحيدًا المشروع الأمريكي - الإسرائيلي "الماسوني" للدفاع عن الإسلام القرآني، ضد" الديانة الإبراهيمية" التي ستكون بديلاً للإسلام إذا انتصر المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي" وانهزم المشروع المقاوم.
يعاني المشروع المقاوم العام على مستوى "المحور" وفي لبنان من ثغرات كبيرة، تجعله مشروعًا أعرجَ وأعور وذا يد واحدة، من خلال تركيزه على المحور العسكري وإعطائه الجهد الأكبر ومع التأكيد على أهمية المحور العسكري واعتباره العمود الفقري للمشروع المقاوم، لكنه يخسر إنجازاته وتضحياته بسبب التقصير والفشل في المحور الثقافي والفكري والإعلامي الذي يكاد يكون معدومًا وفي بعض الحالات يساعد على حصار المقاومين، ولم يستطع المحور الفكري الثقافي والإعلامي إعادة ترميم وتطوير نفسه بعد الحرب، بل تراجع إلى الوراء أو راوح مكانه، مما أوقعه في أخطاء غير مقصودة نتيجة قلة الخبرة أو الغرور في بعض الأحيان وقلة المعرفة، واستدرج المقاومة إلى فخ الخيارات السيئة وفرض على المقاومة التفاوض "لبث" صورة بدل التفاوض على حماية السلاح وإعادة الإعمار، واصابها بخسارة معنوية، فإذا أصرّت على بث صورة "السيد الشهيد" وقعت في كمين السلطة السياسية والصدام الأمني، وإذا تراجعت خسرت معنوياً وأصابت أهلها بالإحباط دون مبرّر لأصل المشكلة.
إذا كان مبررًا ومطلوبًا الصبر الشجاع "المؤقت" لرد العنوان "الإسرائيلي" وفقًا لمقتضيات الميدان، فلا مبرّر لهذا الصمت والتراجع والتنازلات على المستوى السياسي والإداري والفكري والإعلامي، مادامت المقاومة تملك كل الإمكانيات والكفاءات، لكنها تصر على عدم الاستعانة بأهل الخبرة والإخلاص والصدق.
خسارة معركة الفكر والثقافة والإعلام أخطر من خسارة معركة الميدان العسكري، فقد استطاعت السيدة زينب (عليها السلام) أن تجهض المشروع الأموي ضد الإسلام القرآني في كربلاء وهي التي قاتلت بخطابها بلا سيف ولا رمح، وكانت الناطق الرسمي باسم "كربلاء"، والمسؤول الإعلامي للثورة الحسينية، فمنعت قتل مشروع الإصلاح الحسيني الذي مايزال حيّاً، مع ان الأعداء انتصروا عسكرياً.
كان المقاومون "حسينيون" في الميدان وقاتلوا حتى الاستشهاد، فكونوا "زينبيين" حتى لا تذهب دماؤهم هدرًا، وأنتم مسؤولون أمام الله سبحانه {وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل