الثبات ـ دولي
وصف سفير ومندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، تفعيل آلية الزناد من قبل الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في خطة العمل الشاملة المشتركة بأنه غير قانوني وسياسي وهدام، وحذّر من أن هذا الإجراء وحده يمكنه ان يجعل جميع الجهود الأخيرة التي بذلتها ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية عديمة الاثر.
وصرّح ميخائيل أوليانوف في اجتماع عقد يوم الخميس على هامش المؤتمر العام التاسع والستين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بمبادرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحضره سفراء الصين وباكستان وجنوب إفريقيا وفنزويلا: "شهدنا في السنوات القليلة الماضية أن الهجمات العسكرية على المنشآت النووية أصبحت أمرًا طبيعيًا. وقد شهدت روسيا هذا الأمر خلال الصراع في أوكرانيا؛ فمنذ مارس/آذار 2022، تُستهدف محطة زابوروجي للطاقة النووية بانتظام بطائرات مُسيّرة، وأحيانًا بمدفعية من القوات المسلحة الأوكرانية. واستهدفت معظم هذه الهجمات المنطقة المحيطة بالمحطة ومدينة إينيرغودار، لكن بعضها أثّر أيضًا على المحطة نفسها. كما استهدفت القوات الأوكرانية محطتي كورسك وسمولينسك".
وتابع قائلاً: "إلا أن ما حدث في إيران في يونيو/حزيران 2025 كان حدثاً غير مسبوق على الإطلاق. نفذت "إسرائيل" والولايات المتحدة هجمات مُستهدفة ومُدبَّرة ومُخطط لها مُسبقاً على منشآت نووية خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بهدف مُعلن هو تدميرها بالكامل. ويزعم مُرتكبو هذه الهجمات جهاراً نهاراً أن لهم الحق في ذلك، وسيُكررون مثل هذه الهجمات إذا لزم الأمر".
وصرح الممثل الدائم لروسيا قائلاً: "يُمثل هذا العدوان انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والكيان الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضربةً للأمن الدولي ونظام منع الانتشار، الذي تُشكل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ركيزته الأساسية".
وفيما يتعلق بعواقب هذه الهجمات على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال أوليانوف: "كانت معظم الأهداف المتضررة هي منشآت تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز، ومصنع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في أصفهان، ومفاعل أبحاث الماء الثقيل في أراك، وجميعها كانت تحت إشراف الوكالة المستمر، وخضعت للتفتيش الدوري وإجراءات التحقق الأخرى. وكانت هذه المنشآت أيضًا جزءًا من خطة العمل الشاملة المشتركة. ولم تُثر الوكالة أي تساؤلات حول عدم انحراف المواد النووية في هذه المنشآت. علاوة على ذلك، وحتى وقوع الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، كانت إيران تُعتبر العضو الأكثر قابلية للتحقق فيها من قبل الوكالة. ففي عام 2024 وحده، أُجريت 493 عملية تفتيش في المنشآت النووية الإيرانية".
وأضاف: نعلم جميعًا أنه نتيجةً لهذه الهجمات، تعطلت عملية المراقبة في إيران. ولذلك، وجّهت أفعال "إسرائيل" والولايات المتحدة أكبر ضربة لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذان هما اللذان خذلا الوكالة وقوّضا تنفيذ مهمتها القانونية. وبدون وجود الوكالة على الأرض، لن تكون لدى المجتمع الدولي صورة واضحة عن البرنامج النووي الإيراني.
وأكد قائلاً: "لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من عواقب التصرفات المتهورة لبعض أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين يدفعون باتجاه قرارات ذات دوافع سياسية، ويُجبرون الأمانة العامة على إعداد تقارير غير ضرورية بشأن إيران. وذكّرنا الأمانة العامة بضرورة توخي الحذر وتجنب الاستنتاجات المبهمة والمُختلقة. وللأسف، كان تحذيرنا صائبًا بشكلٍ كارثي: فتقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 31 مايو/أيار، بتقييمه الشامل للبرنامج النووي الإيراني، هيأ في البداية الأجواء المناسبة لتقديم قرار سياسي وتحريضي للدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة في 12 يونيو/حزيران، ثم سمح لـ"إسرائيل" بتبرير هجماتها على المنشآت النووية الإيرانية".
واضاف: كان موقف الأوروبيين عاملاً آخر في هذه التطورات. فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، سمعناهم مرارًا وتكرارًا، في سياق الحرب في أوكرانيا، يقولون إنه لا ينبغي استهداف المنشآت النووية أبدًا. ولكن عندما وقعت الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، نسي الأوروبيون هذا المبدأ تمامًا. فهل يعني هذا أنهم لم يعودوا يرون أن الهجوم على المنشآت النووية أمرٌ غير مقبول، بل يعتبرونه الآن جائزًا ومقبولًا؟ إن هذه المعايير المزدوجة الصارخة بالغة الخطورة، وتمهد الطريق لتطبيع استخدام الهجمات على المنشآت النووية كجزء من استراتيجية عسكرية، وهو نهج قد تكون له عواقب وخيمة على البشرية جمعاء.
وأكد أوليانوف: "من الواضح أن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بهذا الحق لنفسها. وكما جاء في الوثيقة غير الرسمية التي وُزِّعت في المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية: لا يحظر الكيان الأساسي للوكالة الهجمات على المنشآت النووية. وهذه رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تعتبر شن المزيد من الهجمات على المنشآت النووية أمرًا مقبولًا، ليس فقط في إيران، بل في أي مكان في العالم تراه ضروريًا. لقد رأينا أخيرًا بأنفسنا ما يعنيه الكيان القائم على القواعد الذي تدّعيه الولايات المتحدة عمليًا".
ورحب أوليانوف باتفاق القاهرة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، قائلاً: "لقد أظهر الجانبان، وخاصة إيران، نهجًا مسؤولًا ومهنيًا. وأثبتا استعدادهما للتعاون البنّاء واحترام مبادئ كل منهما ومخاوفه. ومن الطبيعي أن تُعطى المصالح الأمنية لإيران الأولوية بعد الهجمات الأخيرة. ونحن نحذر الدول الغربية من أي تدخل في عملية تنفيذ اتفاقات القاهرة. ويجب منح إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فرصة بناء الثقة والعمل في جو من التعاون".
وفي هذا الصدد، أكد الممثل الروسي: "يجب على الترويكا الأوروبية وقف العملية غير القانونية والسياسية لآلية الزناد في نيويورك. إن تفعيل آلية الزناد كان عملاً غير قانوني وسياسي وهداما، وهو لوحده كاف لإفشال جميع الجهود الأخيرة التي بذلتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران".
واختتم كلمته بالقول أن: "مشروع القرار الذي يحظر جميع أشكال الهجوم والتهديد بالهجوم على المنشآت والمواقع النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي قدمته جمهورية إيران الإسلامية وبيلاروسيا والصين ونيكاراغوا وروسيا وفنزويلا، سيُطرح للتصويت اليوم. ونأمل أن تتحلى الدول المسؤولة والحكيمة بالشجاعة السياسية اللازمة لدعم هذه الوثيقة. ويتمثل الواجب الجماعي للوكالة في إعلان موقفها بوضوح تام لا لبس فيه لأول مرة منذ يونيو/حزيران؛ وهو موقف كان ينبغي اتخاذه منذ زمن طويل: يجب ألا يحدث هجوم على المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبدًا، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق".
وقررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الراعية الأخرى للقرار (روسيا والصين وكوبا ونيكاراغوا وبيلاروسيا وفنزويلا وزيمبابوي) تأجيل البت في مشروع القرار إلى المؤتمر القادم بعد إجراء المشاورات اللازمة، واعتبارًا لضرورة منع تحول قضية مهمة وحساسة مثل حظر الهجمات على المنشآت النووية إلى أداة في يد الولايات المتحدة.