أقلام الثبات
عندما يغدر الزمان بالشرفاء، يتعرّضون لإطلاق الرصاص في صدورهم من العدو "الإسرائيلي" والتكفيري، والطعن بالخناجر في ظهورهم من الحلفاء والأصدقاء والخصوم، ويعيّرهم الآخرون لأنهم مقاومون، حتى صارت المقاومة عيبًا وتهمة وجناية وإرهابًا، وصار القعود عن القتال، والعمالة العدو انتماءً وطنيًا.
يعيّرنا الأصدقاء والحلفاء أننا طائفة تحتكر المقاومة، وتحتكر الشهادة والتهجير، وتحتكر الشرف والكرامة منذ أن دعمت القضية الفلسطينية وهرّبت الأسلحة لثورة الشيخ عز الدين القسام عام 1936، واحتضنت المقاومة الفلسطينية في الجنوب، حتى اكتسبت قوة أرغمت العالم على الاعتراف بها ،لتعود إلى فلسطين.
يعيّرنا الآخرون بأن جعلنا المقاومة "مذهبية - طائفية" ونزعنا عنها ثوب الوطنية، وهذا قمة الافتراء والتزوير على طائفة مقاومة لم تتغير في نهجها المقاوم، لأنه يعتمد على عقيدة لا تؤمن بالاستسلام والذل، بل تؤمن بالقتال والجهاد المسلح لحفظ حقوقها وكرامتها.
لم تتغير "طائفة" المقاومين أو مذهبهم "الشيعي"، بل تغيرت أسماء أحزابهم اليسارية والعلمانية والقومية والبعثية والناصرية التي كان أغلب المنتسبين إليها من الطائفة الشيعية، وكان رؤساء الأحزاب من المسيحيين والسنّة والدروز. كان الشيعة مقاتلين ومقاومين، وكانوا شهداء شيوعيين وقوميين وبعثيين وناصريين وفي الفصائل الفلسطينية، وراجعوا أسماء شهدائكم لتعرفوا طائفتهم، وأن أغلبيتهم من الشيعة.
لا زال المقاومون من الشيعة ثابتين في مواقعهم القتالية، لكنهم انتقلوا من الأحزاب اليسارية والناصرية والقومية والفلسطينية إلى فضاء حركة أمل والمقاومة الإسلامية منذ أن أطلق الإمام الصدر مشروعه المقاوم لمواجهة العدو "الإسرائيلي"، ففرغت الأحزاب من منتسبيها الشيعة وضَعُفت، وجاء انهيار الاتحاد السوفياتي ليُضعفها أكثر ، وتقلص القوميون والناصريون، لغياب الدعم الذي كانت تؤمّنه سوريا والعراق وليبيا والجزائر.
لم يمنع الشيعة أي أحد من مقاومة "إسرائيل"، بل إن الآخرين هم الذين قصّروا وقعدوا عن القتال، إما لعذر أو دون مبرّر، ثم يأتي هؤلاء ليتّهموا الشيعة بأنهم جعلوا المقاومة مذهبية!
المقاومة ليست رصاصًا وصواريخ.. فإذا منعكم الشيعة من القتال في الخنادق، فماذا قدمتم من مقاومة ثقافية وإعلامية وفكرية واقتصادية طوال 30 عامًا، وحتى هذه اللحظة المفصلية التي لا تناسب أن تنقد وتحتج على أمر عمره 30 عامًا، وكأنكم تعيدون تجربة "الجدال" حول "جنس الملائكة" تحت الحصار والقصف.
"المقاومون الشيعة" ليسوا مذهبيين، فالمذهب الشيعي مذهب إنساني عالمي، لا يميّز بين طائفة مظلومة أو أخرى، والمقاومون الشيعة قاتلوا دفاعًا عن المسلمين السنة في "البوسنة والهرسك"، في وقت تخاذل مليار مسلم "سنّي" عن نجدتهم.
"المقاومون الشيعة" دفعوا كل ما يملكون وأغلى أحبابهم وأرزاقهم وأمنهم، لدعم المسلمين "السنّة "في فلسطين، والذين لم ينجدهم لا سنّي ولا قومي ولا شيوعي ولا ناصري من لبنان، ولم يبقَ عند الشيعة شيءٌ ليقدموه لفلسطين، لأنهم قدّموا كل ما يملكون، بينما قدّم الآخرون ثرثرة الافتراء.
"المقاومون الشيعة" قاتلوا في سوريا دفاعًا عن السنة والمسيحيين والدروز والشيعة والعلويين ضد الجماعات التكفيرية، ولم يقاتلوا الشعب السوري، وها هي الوقائع تؤكد صدق ما نقول.
هل تستطيعون تَحمل ما تحمّله الشيعة في الجنوب، خصوصًا منذ 70 عامًا؟
هل قدمتم لفلسطين وللقضايا العربية ما قدّمه الشيعة في لبنان؟
هل صبرتم وتحملتم الغدر والتنمر كما يتحمّله الشيعة في لبنان؟
لقد طفح الكيل، وتكاد فترة السماح بالصمت عن العدوان علينا من الخصوم والحلفاء تشارف على الانتهاء، ولا يزال الشيعة قادرين بإذن الله أن يدافعوا عن أنفسهم ويردوا كيد الحلفاء والخصوم، ويردّوا العدوان من الأعداء.
لسنا مهزومين... خسرنا معركة لا يمكن لأي حركة مقاومة أو دولة في العالم أن تبقى على قيد الحياة لو تعرّضت لمثلها، لكننا لا زلنا أحياء، ولا زلنا نمتلك قوّة تقلق العدو وتهدد مشروعه.
اخجلوا في حضرة أرواح وجراح 25 ألف شهيد وجريح شيعي في عام واحد، وفي حضرة 100 ألف مهجر شيعي خسروا ما بنوه منذ 100 عام ودمّرت "إسرائيل" قراهم وذكرياتهم، ونبشت قبور موتاهم.
من نكد الدهر ان يشتمك الآخرون بتهمة احتكار الموت والتدمير والتهجير والحزن وعمارة المقابر..
أنتم مدينون لنا بالاعتذار...
لم تتغير "طائفة" المقاومين... بل تغيّرت أحزابهم _ د. نسيب حطيط
الخميس 18 أيلول , 2025 11:35 توقيت بيروت
أقلام الثبات

