خاص الثبات
في قمة عربية طارئة، انعقدت بدعوة للتضامن مع قطر، اجتمع ممثلو 22 دولة عربية، أكثر من نصفها يدين بأمنه لحماية قواعد أجنبية، وتحديدًا قواعد أمريكية، فيما لا تزال الشعارات الكبرى تُرفع عن السيادة والكرامة.
وسط هذا المشهد المتناقض، القى رئيس الجمهورية جوزف عون كلمة تكاد تشبه نشرات الأخبار القديمة: لغة خشبية، تكرار مواقف قديمة فقدت صلاحيتها، وتمسّكٍ بمرجعيات باتت منتهية الصلاحية بحكم الواقع.
الرئيس تحدّث عن "التمسّك بالمبادرة العربية للسلام" – وكأن العدو لا يزال ينتظر موقفًا موحدًا من العرب، بينما هو يعيد احتلال غزة حيًّا حيًّا، ويحوّل الضفة إلى كانتونات معزولة، ويُعلن، بكل صفاقة، أن المبادرة العربية لا تساوي عنده الحبر الذي كُتبت به. ورغم ذلك، يأتي الرئيس ليُجدد الإيمان بمشروع سقط منذ لحظة ولادته، كأن لا شيء يحدث على الأرض.
اللافت أن فخامته أراد أن يكون مرنًا، فقال: "إذا كانت إسرائيل تريد السلام، فنحن جاهزون"، لكنه لم يُكمل السيناريو المنطقي: ماذا لو لم ترده؟ ما هو الرد الرسمي للدولة؟ لا خطة، لا موقف، لا بدائل. فقط عبارة مبهمة: "على الأقل نعرف إلى أين نتجه"، وكأننا في ورشة عمل لا في دولة تواجه عدوًا يُعلن عداءه بلا مواربة.
كان الأجدر برئيس الجمهورية أن يتحدث من موقعه كرأس دولة، لا كناقل رسائل أو متلقٍ لتوجيهات. كيف يمكن أن نُقنع الناس بأنّ هناك موقفًا سياديًا، بينما رأس الدولة يطلب من العدو إجابة، "نعم أم لا"، وكأننا نفاوض على صفقة تجارية لا على حقوق مسلوبة ودماء تُراق يوميًا؟
ثم، بأي منطق يطلب الرئيس من إسرائيل توضيح نواياها، وهي لم تفعل يومًا سوى إعلانها صراحة؟ من شارون إلى نتنياهو، المسار واضح، والرفض علني، والإذلال ممنهج. المبادرة التي يكررها بعض القادة اليوم، قوبلت منذ 2002 بالرفض والازدراء. ومع ذلك، لا يزال البعض يراهن على سراب.
الرئيس جوزف عون، الذي يبدو أكثر انسجامًا مع سياسات الرياض من مصالح بيروت، يتصرّف كمجسّم دبلوماسي يُعاد تشغيله في كل قمة عربية لترديد ذات العبارات، دون أي رؤية بديلة، أو حتى إشارة إلى أن العالم تغيّر.
والمؤسف أن هذه "الخطابات" تُلقى وكأن لا عدوان يحدث، لا احتلال يُوسع، لا دم يُسفك، ولا قضية تتآكل.
ما نحتاجه من رئيس الجمهورية ليس أن يكون ناطقًا باسم مبادرات ميتة، بل أن يكون صاحب موقف، يُشبه آلام شعبه، ويُحاكي ما يحدث فعلاً، لا ما يُطلب منه أن يقوله.