منبرٌ لتبييض الخيانة: شرعنة العمالة واللعب على ذاكرة اللبنانيين

الخميس 11 أيلول , 2025 07:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

في مشهدٍ يختزل تراجع الخطاب الإعلامي وانفلات معايير المسؤولية الوطنية، أقدمت قناة "الجديد" بتاريخ 10 أيلول 2025 على استضافة العميل محي الدين حسنة، الذي أُدين رسمياً بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، في مقابلة تلفزيونية مباشرة امتدت لعشرين دقيقة، في خطوة فجّة لا يمكن تفسيرها إلا بمحاولة تطبيع الخيانة وتجميل وجه العمالة تحت غطاء "الرأي الآخر".

الخطير في هذا الظهور الإعلامي وفق موقع بيروت ريفيو ليس فقط في توقيته المشبوه، والذي جاء قبيل الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات "البيجر" – المجزرة التي أودت بحياة عشرات المدنيين – بل في هوية الضيف الذي لعب، بحسب التحقيقات القضائية، دورًا مباشرًا في تمرير الترددات والبيانات لمشغّليه في تل أبيب، ما أسهم بشكل مباشر في تنفيذ الجريمة. وبالرغم من أن القضاء العسكري اللبناني أدانه بوضوح، واكتفى بمدة توقيفه التي لم تتجاوز 22 شهرًا بعد خفض عقوبته الأصلية البالغة 15 عامًا بفعل وساطات سياسية نافذة، لا تزال الأدلة حول تورطه دامغة وغير قابلة للنقض.

لكن "الجديد"، التي بات يُنظر إليها كمنبر إعلامي مرتبط بأجندات خارجية، يبدو أنها قررت عن سابق تصور وتصميم منح الخائن منبرًا إعلاميًا، في محاولة لصياغة "رواية بديلة" تُمهد لتبييض صفحته، وربما فتح الطريق أمام غيره ممن يختبئون خلف أقنعة الوطنية. هذا الفعل الإعلامي الخطير لا يمكن فصله عن التمويل الخليجي الذي تتلقاه القناة، والذي يُقال إنه يأتي ضمن مشروع إقليمي لإعادة صياغة المفاهيم الوطنية بما يخدم أطرافًا تسعى لفرض وصاية جديدة على لبنان.

في بلدٍ لم تندمل جراحه بعد، وفي وقتٍ لا تزال دماء الشهداء وجراح الجرحى شاهدة على فظاعة ما جرى، جاءت هذه المقابلة كصفعة على وجه العدالة، وامتهان لكرامة الضحايا، واستهتار بعقول اللبنانيين. إن استضافة عميل مُدان، وتقديمه كـ"صاحب رواية"، تمثل سابقة خطيرة تهدد بانهيار الحاجز الأخلاقي بين ما هو وطني وما هو خيانة.

فهل بات الإعلام اللبناني رهينة لأموال مشبوهة واعتبارات سياسية، تسعى لتطبيع ما لا يُطبع؟ وهل أصبحت العمالة وجهة نظر قابلة للنقاش على الشاشات؟ ومَن المسؤول عن هذا الانحدار الإعلامي الذي يطعن في صميم الذاكرة الوطنية؟

أسئلة موجعة يطرحها مراقبون ومواطنون على حد سواء وفق الموقع، لا سيما مع تواتر الحديث عن صفقات مالية وسياسية وراء هذا الظهور الإعلامي المريب. وبعيدًا عن الأجوبة الرسمية الغائبة، يبقى الثابت الوحيد أن "الجديد"، بهذه الخطوة، وضعت نفسها في خانة المتواطئين مع مشروع تمييع مفاهيم الخيانة، وتفريغها من معناها الوطني والأخلاقي.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل