السلطة... واجتثاث مصطلحات ومعادلات المقاومة ــ د. نسيب حطيط

الأربعاء 10 أيلول , 2025 10:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تستمر السلطة السياسية في لبنان بتنفيذ المشروع الأميركي الهادف إلى اجتثاث المشروع المقاوم ،عسكريًا وثقافيًا واجتماعيًا، وصولًا إلى إلغاء كل المفردات التي استطاعت المقاومة تثبيتها في القاموس السياسي والإعلام اللبناني، وفي الذاكرة الجماعية للشعب، حيث بادرت السلطة بمهاجمة المقاومة على محورين متلازمين:
المحور السياسي الذي أصدر قرار نزع السلاح وأقرّ خطته التنفيذية برعاية وإشراف وقيادة أميركية.
المحور الإعلامي والثقافي، لمحو كل المفردات والمصطلحات الخاصة بالمقاومة واستبدالها بمصطلحات ومعادلات جديدة ،لشطب تاريخ المقاومة وإنجازاتها، وتثبيت صورتها الأخيرة للحرب، للتأكيد أن المقاومة مهزومة وعبثية وأن السلاح الذي تمتلكه يجلب الضرر على لبنان، ولا يستطيع ردع العدو، للوصول إلى تمزيق ورقة المقاومة الناصعة من التاريخ السياسي اللبناني.
استطاعت المقاومة بعد اتفاق الطائف تثبيت معادلات ومصطلحات في البيانات الوزارية وفي الخطاب السياسي والإعلامي اللبناني، حتى أصبحت بعض المصطلحات لازمة أساسية في الأدبيات السياسية ومنها المعادلة الذهبية (جيش - شعب - مقاومة) و"مشروع استراتيجية الدفاع الوطني"، ومصطلح "الاعتداء الإسرائيلي"، فبادرت السلطة السياسية التي عيّنتها أمريكا إلى تغيير هذه المعادلات واستبدالها بمعادلات جديدة:
- استبدلت معادلة (جيش - شعب - مقاومة) بالمعادلة الجديدة (جيش - شعب - دولة) وألغت بشكل صريح كلمة "مقاومة" كخطوة أولى، لشطبها ميدانيًا؛ بنزع سلاحها وإغلاق مؤسساتها المدنية وإلغاء تاريخها وتحويلها من حركة مقاومة شريفة إلى "ميليشيا" مسلحة، متمرّدة على الدولة وعلى القانون الدولي من نافذة اتفاق الطائف الذي نص على حلّ الميليشيات المسلّحة.
-  طرحت السلطة السياسية المعيّنة "استراتيجية الأمن الوطني" كبديل عن "استراتيجية الدفاع الوطني"، بهدف إلغاء هذا المصطلح من الذاكرة السياسية للبنانين وإنهاء مرحلة شراكة المقاومة في صياغة الاستراتيجية الدفاعية، والهدف الثاني أن استراتيجية الأمن الوطني تهدف إلى بناء منظومة أمنية وسياسية وإدارية، تضمن الأمن داخل الحدود اللبنانية، بعيدًا عن مصطلح الدفاع، بمواجهة العدو "الإسرائيلي" كما هي قوى الأمن الوطني الفلسطينية وقوى الأمن العام في "سوريا الجولاني" ضمن مشروع السلام الأميركي للشرق الأوسط ومشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي يمنع تشكيل الجيوش بمفهومها العام، ويلغي حركات المقاومة ويحوّل كل القوى العسكرية من جيش وقوى أمن إلى شرطة محلية، لقمع أي تحرّك مضاد للمشروع الأميركي، ولتأمين "الأمن الإسرائيلي"، بالتلازم مع استباحة "إسرائيل" لكل الدول، كما يحدث الآن في لبنان وسوريا وقطر واليمن، وقريبًا كل بلد عربي ترى "إسرائيل" مصلحة في قصفه، وربما بالتعاون مع حكّامه!
- تتجنب السلطة السياسية ومسؤولوها وبعض الأحزاب ووسائل الإعلام اللبنانية استخدام مصطلح "الاعتداء" الإسرائيلي والاكتفاء بوصفها "خروقات" حتى لا تدين "إسرائيل"، ولتجهيل نتائجها، فيصبح اغتيال "إسرائيل" للبنانين خرقًا، ويصبح تدمير "إسرائيل" للقرى خرقًا والقصف اليومي بالطائرات خرقًا واحتلال "إسرائيل" "خرقًا"، ونقوم بإحصاء عدد الخروقات بدل توصيف الواقع بالقول 4000 اعتداء لنضمن حقنا بالشكوى أو بالتعويض أو بالرد الميداني وفق ما نصّ عليه "اتفاق تشرين" بحق لبنان و"إسرائيل" بالدفاع عن النفس في حال اعتداء أي طرف على الآخر.
إن ما تمارسه السلطة التي غضب أحد مسؤوليها، عندما سأله الصحفيون عن المسيّرات الإسرائيلية – التي يرى فيها داعمًا ومساعدًا لنزع سلاح المقاومة – هو جزء من الحرب الثقافية على المشروع المقاوم في لبنان وعلى قوى المقاومة التصدّي له وعدم مجاراته في بعض المصطلحات، خصوصاً في موضوع الخروقات ووجوب أن يمتنع الإعلام المقاوم وممثّلو المقاومة من استخدام هذا المصطلح "الخرق" والتأكيد على مصطلح "الاعتداء".
إن الحرب الثقافية التي تشنّها السلطة وأعوان "إسرائيل" في لبنان، تستوجب أن تبادر قوى المقاومة لتنظيم جبهة مقاومة ثقافية وإعلامية، للتصدي لهذه الحرب الخطيرة والخبيثة والتي إذا استمرت، فإنها ستنتقم من المقاومة بمفعول رجعي، لشطب كل انتصاراتها وإنجازاتها، بالتلازم مع حربها الحاضرة لاجتثاث المقاومة ونزع سلاحها.
إن حفظ ذاكرة المقاومة ومصطلحاتها يوازي حفظ السلاح، ولبقاء المقاومة يجب حفظ "الكلمة والسلاح"، مع عدم التفاؤل بأن يبادر ممثلو المقاومة للتصدي!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل