واشنطن تعسكر الكاريبي.. وتعتمد سياسة الترويع بدل الاحترام ــ يونس عودة

الثلاثاء 09 أيلول , 2025 01:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تدفع الولايات المتحدة منطقة البحر الكاريبي الى توترات يمكن ان تتحول الى صراع عسكري يعيد الى الاذهان مرحلة الخمسينات والستينيات وما بعد من عمليات السيطرة الاميركية على دول المنطقة، تارة تحت مسميات مصالح الشركات الاميركية , واطوارا تحت مسمى الامن القومي الاميركي، باعتبار ان ذلك يبيح لواشنطن الغزو والخطف والقتل.
تتلطى الولايات المتحدة حاليا لاستعادة السيطرة على دول المنطقة، خلف ذريعة محاربة تجار المخدرات وسط حملة دعائية هائلة موجهة ضد دول وقوى بعينها مع ارسال اسطول من القطع البحرية الحربية , وارسال 3 اسراب من طائرات اف -35 الى بورتوريكو، ما يطرح السؤال البديهي هل مكافحة المخدرات تحتاج الى هذا النوع من الطائرات، إذا سلمنا جدلا ان الاستجابة البحرية تحتاج الى اساطيل حربية لمكافحة زوارق المخدرات؟
الولايات المتحدة، وعبر وزارة الخزانة، تتهم فنزويلا؛ الخصم السياسي اللدود في البحر الكاريبي، رئيسا وقوات مسلحة، بالاستفادة من تهريب المخدرات بالتعاون مع كارتلات المخدرات، وليس حصرا بل بالتعاون والشراكة مع إيران وحزب الله، وأكثر من ذلك، وتتهم واشنطن الرئيس الفنزويلي بقيادة شبكة لتهريب المخدرات تعرف باسم "كارتل الشمس".
 
وفي هذا السياق عممت واشنطن حديثا لمسؤول متقاعد في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA)،واسمه  بريان تاونسند، للقناة الأميركية: يقول فيه ان الشراكة بين إيران وفنزويلا تخدم الطرفين على حد سواء: "شراكة إيران مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تتيح لحزب الله العمل في فنزويلا. إيران تستطيع أن تعمل بأمان، من خلال حزب الله، في حين يحصل مادورو ومسؤولوه على أموال طائلة... في النهاية، إيران تستخدم مادورو وتستغله.. ومادورو وأصدقاؤه يستفيدون مادياً".
وفي السياق رد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على ترهات واشنطن بإن "التقارير الاستخباراتية التي قدموها (لترامب) غير صحيحة. فنزويلا اليوم بلد خال من إنتاج أوراق الكوكا والكوكايين، وهو بلد يحارب الاتجار بالمخدرات". و"فنزويلا كانت دائما مستعدة للتحدث والانخراط في الحوار، لكننا نطالب بالاحترام" وإن الخلافات مع الولايات المتحدة لا ينبغي أن تؤدي إلى صراع عسكري . لا مبرر له".، وذلك ردا على تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإسقاط طائرات كراكاس العسكرية إذا شكلت تهديدا لقواته، الا ان قادة فنزويلا يدركون الاهداف الحقيقية لواشنطن تحت ذريعة مكافحة المخدرات وهي نشر التوترات لضرب فنزويلا وقال مادورو بحضور مسؤولين وقادة عسكرين كبار في كراكاس "يسعون إلى تغيير النظام من خلال التهديد العسكري"، وهو التعليق ذاته الذي أدلى به ممثل فنزويلا لدى الأمم المتحدة.
لا شك ان ما بين واشنطن وكراكاس أكبر بكثير, من الاتهام لدولة واصدقائها بتجارة المخدرات سيما وان واشنطن هي الاعلم بان المخابرات الاميركية تدير عشرات كارتيلات المخدرات وهو الامر الذي طالما ورد في الوثائق الرسمية الاميركية وتناولته مرارا الصحافة الاميركية ضمن ارتكابات الوكالة حول العالم من قتل واعتقالات وسجون سرية وادارة عمليات المخدرات الكبرى 
و ليس خافيا على احد أن فنزويلا محط اهتمام كبريات شركات الطاقة الأميركية منذ اكتشاف النفط بها بكميات ضخمة في أوائل القرن 20، وسيطرت شركات الطاقة الأميركية على ثروة البلاد من النفط لعقود طويلة، إلا أن الحكومة الفنزويلية أممته عام 1976.وازداد الصراع في السنوات الاخيرة بان قامت المخابرات الاميركية بمحاولة فرض رئيس على البلاد وعملت على تشكيل حكومة مؤقتة ترأسها زعيم المعرضة آنذاك- 2019- واعترفت خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا، وكانهدفها المتمثل إطاحة مادورو من السلطة, لكنها سقطت نتيجة صلابة مادورور والدعم الشعبي له .
ان ما يجري من توتير في البحر الكاريبي يعيد الى الاذهان ما افتعلته الولايات المتحدة في مطلع خمسينيات القرن الماضي ,في غواتيمالا من خلال اول انقلاب تقوم به واشنطن للإطاحة بحكم جاء به الشعب لمنع استغلال الشركات الاميركية لمقدرات الشعب , وتوسيع الفقر في بلاد كانت تعرف بجمهوريات الموز 
كان الانقلاب الغواتيمالي عام 1954 ، الذي أطلق عليه اسم العملية PBSUCCESS ، عملية سرية نفذتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي أطاحت بالرئيس الغواتيمالي جاكوبو أربينز المنتخب ديمقراطياً وأنهت الثورة الغواتيمالية 1944-1954.وقد سخرت المخابرات الاميركية حملات اعلامية واسعة في الداخل والخارج با الحكم الغواتيمالي ورئيسه ,شيوعيين , وواشنطن تريد حماية المنطقة من الانتشار الشيوعي في سياق الحرب الباردة , واعترفت كل الوثائق الاميركية لاحقا  ان ذلك كان رافعة للإطاحة بالحكم الذي لم يكن شيوعيا ابدا , وانما كان تحرريا من سطوة الشركات الاميركية 
لقد دبَّرت الاستخبارات الأمريكية خطةً طارئة للإطاحة بأربينز، معتبرة أن تساهله مع الشيوعيين يجعل منه بطلاً بينهم، وأحد أهم حلفائهم، كان اسم Operation PBSUCCESS هو الاسم الرمزي للحركة الاستخباراتية التي أفضت إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب في غواتيمالا، وكانت العملية واحدةً من أنجح العمليات الاستخباراتية التي قامت بها أمريكا حينها، إذ فشلت كل محاولات المقاومة من قبل الموالين لأربينز في غواتيمالا.
وفي 18 يونيو/حزيران من العام 1954، دخلت قوة عسكرية تتكون من 480 جندياً، أغلبهم من الجنود المرتزقة، بقيادة ضابط منفي من الجيش الغواتيمالي اسمه العقيد كارلوس كاستيلو، ومع الترتيب لتحركات عسكرية بدأت الاستخبارات تضع مذكرة بأسماء الموالين لأربينز، حتى يتم تحييدهم، سواء بالقتل أو الاعتقال. وعملت الآلة الإعلامية على إحباط كل من كان لديه أمل في فشل الانقلاب والتمسك بالرمق الأخير من الديمقراطية، إذ بثَّت القنوات الموالية للانقلاب بيانات تؤكد نجاح السيطرة على غواتيمالا، حتى قبل سقوط النظام.، ورغم أن أداء القوات المحاصرة ، إلا أنَّ الحرب النفسية لعبت دوراً كبيراً جداً في تعزيز قوة القوات الأمريكية على أراضي غواتيمالا
ان دول البحر الكاريبي اليوم تتأهب لاحتمالات مع تصاعد حدة التوتر المبني على سيناريو اكاذيب الولايات المتحدة بالتوازي مع اعلان شن الجيش الأميركي هجمة جوية على سفينة صغيرة اتهمتها واشنطن بأنها أبحرت من شواطئ فنزويلا مليئة بالمخدرات في طريقها إلى المدن والشوارع الأميركية .
من الواضح ان الولايات المتحدة تنحو أكثر الى التحول نحو سياسة خارجية قائمة على القوة بذريعة أن للولايات المتحدة أعداء وسط ترويج بانه ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون حازمة في مواجهة هذه التحديات، وأن تواجهها بما يتناسب مع حجم الخطر الذي تشكله. كما أن علينا ردع من يُعرّفون أنفسهم بأنهم أعداؤنا قدر استطاعتنا، وأن نهزم تحدياتهم عندما نضطر لذلك. وعلينا أن نغريهم كلما أمكن، ونهددهم عند الضرورة، ونعاقبهم على أفعالهم التي تلحق الضرر بنا.
تخلص الفكرة الاميركية المطروحة حاليا بان لا نظام بلا قوة تحافظ عليه، وقد يكون هذا أقل عاطفية أو أخلاقية مما اعتدنا عليه، ولكن هناك احتمال كبير أن يكون أكثر نجاحاً.
لا شك ان واشنطن بسياستها الحالية ترتمي في فكرة ميكافيلي القائلة "من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك".
لكن في بعض الأحيان عندما تكون الأسئلة معقدة تكون الإجابات بسيطة. فالذين ولدوا في العواصف لا يخافون هبوب الرياح أبداً..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل