قاوموا ثقافة الانهزام واستحالة الانتصار ــ د. نسيب حطيط

الثلاثاء 09 أيلول , 2025 10:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يتعرّض المجتمع المقاوم لحرب عسكرية شرسة لا تزال مستمرة، بالتلازم مع حرب نفسية وإعلامية ومعنوية للانتصار بمعركة الوعي، واختراق العقل الفردي والجَمعي لأهل المقاومة وهزيمتهم معنوياً ونفسياً، وإقناعهم باستحالة الانتصار على أمريكا و"إسرائيل"، وأن العقلانية تستلزم الجنوح نحو السلم - الاستسلام ،لقليل الخسائر والقتل والتأكيد على عبثية المقاومة ،لأن لا أفق لها ولا نجاح ولا انتصار لها، مع محاولة إعطاء أمثلة غير واقعية على أن الذين يُقاتلون "إسرائيل" وأمريكا ،سيكون مصيرهم القتل والانهزام والاغتيال والاعتقال، ثم احتلال دولهم أو قتل قادتهم.
إن معركة تهجين وتدجين الوعي، للمجتمع المقاوم ومحو الذاكرة المجيدة للانتصارات ، وبسبب عدم التوازن في القوى على مستوى الإعلام ومراكز الدراسات ووسائل التواصل، بالتلازم مع القصور والتقصير وإقصاء الكفاءات، فإن المشروع الأمريكي، يحصد انتصاراتً في "معركة الوعي" ومحو الذاكرة وتلقيح العقول بجرعات من اليأس والكآبة والاستسلام الكلّي للمشيئة الأمريكية - "الإسرائيلية"، ومحاولة تثبيط وتضعيف من لا يزال في خندق المقاومة ويواصل الصمود والمواجهة.
يعتمد المشروع الأمريكي في الحرب الناعمة، ضد المجتمع المقاوم على التشكيك بقدرات أهل المقاومة والتشكيك بقياداتهم وبعقيدتهم وبتسخيفها والاستهزاء بها وشيطنتها، لزعزعة الثقة بالنفس وزرع الشك بين كل قوى المقاومة لتفجير وحدة الصف وتشتيته، ومحاولة تشتيت الكلمة والموقف الواحد ،لإيصال المجتمع المقاوم، للشك حتى بالإنجازات والانتصارات التي حصدها سابقاً ولإقناعه باستحالة الانتصار على أمريكا و"إسرائيل"، مع أنه استطاع الانتصار عليهما في العام 2000والعام 2006 وفي عام 83.
يتم التشكيك بالعقيدة والإيمان، فيطرح المرجفون والخونة سؤالاً: لقد ترككم الله وحدكم؟
لكن جواب المؤمنين المقاومين الصابرين:
 لقد كان نبي الله إبراهيم وحيداً... فهل تركه الله؟ وكان نوح نبي الله وحيداً ...فهل تركه الله؟ وكان نبي الله موسى وحيداً ولم ينصره إلا أخوه، فهل تركه الله؟ وكان السيد المسيح وحيداً... فهل تركه الله؟ وكان رسول الله الأكرم وحيداً... فهل تركه الله؟
يتركنا الله إذا تركناه، وقد أنذرنا {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، ويتركنا الله سبحانه إذا عملنا وقاتلنا في سبيل غيره ورَبطنا نصرنا وبقاءنا وكرامتنا بمخلوق نظيرٍ لنا، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً.. عندها سيوكلنا الله إلى أنفسنا!
لابد لقوى المقاومة أن تحشد إمكانياتها وقدراتها، للقتال على جبهة "معركة الوعي" لمواجهة هذا الاجتياح الخبيث الذي بدأ يتسلّل إلى مجتمعنا، بعد أن أسقط المجتمعات العربية كلها، أنظمة وشعوباً وأحزاباً وقادة ومفكرين ومثقفين ومؤسسات دينية وعلماء دين ولابد للنخب الثقافية والدينية أن تخوض هذه المعركة وعدم البقاء على الحياد أو الترف الفكري أو بالانتقاد السلبي لقوى المقاومة
 إن مسؤولية وواجب قوى المقاومة أن تفتح أبوابها وتسخّر إعلامها وقدراتها ،لاستيعاب المتطوعين من "المقاومين الثقافيين" أهل الاختصاص والكفاءة، لأن خسارة معركة الوعي ستساهم في تسريع خسارة معركة المقاومة المسلحة التي يمكن أن يُحاصرها الأعداء أو يفجّروا مخازنها الصاروخية أو يقتلوا قادتها، لكن الأعداء لا يملكون القدرة على قتل الكلمة أو الفكرة أو ثقافة المقاومة.
واجبنا.. إبقاء هذه " البذرة المقاومة "حتى تنمو وتزهر في أي لحظة، يسقيها البعض بماء سلاحه ودمائه، وحتى لا تموت وتتصحّر ساحاتنا الثقافية المقاومة حتى لا يتمكن الأعداء من زراعتها بأشجار الهزيمة والتخاذل والاستسلام والتبعية.
إننا نمتلك مخزوناً ثميناً من الثقافة المقاومة وموروثاً ثقافياً، يستطيع تحصين وعينا وحفظ ذاكرتنا لإعادة مقاومة الأعداء ثقافياً وعسكرياً واقتصادياً.
إننا ندعو كل المثقفين إلى الجهاد الثقافي الدفاعي والمقاومة الثقافية الدفاعية والنضال الثقافي الدفاعي، وفق أي مصطلح يرتضيه المثقفون وينسجم مع عقيدتهم واحزابهم ومذاهبهم.
إن خسارة معركة عسكرية ،لا تؤثر في المسار العام للمقاومة، فنحن نقاتل ضمن حرب مستمرة بين الخير والشر ،وليست مسؤوليتنا الانتصار فقط ،بل مواصلة القتال مع علمنا واطمئناننا حدود اليقين للوعد الإلهي بان النصر سيكون لنا عند انتهاء الحرب {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ..}، لكن خسارة معركة الوعي والثقافة والعقيدة ستقتل المشروع المقاوم وتغلق كل أبواب الأمل والحرية.
لم تنته الحرب... فلنبادر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل