فرضيات حرب غزة: "بين "الفشل الاستخباراتي".. و"الاستدراج الاستراتيجي" ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 08 أيلول , 2025 09:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مع اقتراب نهاية السنة الثانية من حرب الإبادة على غزة، لا شيء يشي بإمكانية قبول رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إنهاءها قبل ربيع أو صيف سنة 2026، وذلك للاستفادة مما يعتبرها "انتصارات" حققها لمشروع "إسرائيل الكبرى"، لتوظيفها في الانتخابات "الإسرائيلية" في تشرين الأول/ أكتوبر 2026.

مع توسع التحقيقات حول أحداث 7 أكتوبر 2023، تبرز ثلاث فرضيات:

1.    "إسرائيل" فوجئت بعملية "طوفان الأقصى".

2.    "إسرائيل" كانت لديها معلومات مسبقة عن استعداد حماس لهجوم أو اختراق للحدود، لكنها قللت من أهميتها ولم تتعامل معها بجدية، كما ذكرت تقارير صحفية مثل صحيفة "هآرتس".

3.    المسؤولون "الإسرائيليون"، بمن فيهم نتنياهو، كانوا على علم بالهجوم لكن غضوا النظر، ربما لاستغلاله كذريعة لشن الحرب على غزة.

الفرضية الأولى والثانية تعكسان فشلاً استخبارياً وأميناً "اسرائيلياً"، وهو ما تم التركيز عليه "اسرائيلياً" سابقاً. لكن إذا أردنا البناء على الفرضية الثالثة، فما هي الأهداف التي أرادها الإسرائيلي من تلك الحرب؟

1.    إنهاء القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة
لطالما سعت "إسرائيل" إلى إيجاد سبل لإنهاء القضية الفلسطينية الى الأبد. وعليه، إذا شنت حماس هجومًا واسع النطاق، فقد تُبرر "إسرائيل" عمليات عسكرية كبيرة، بما في ذلك إعادة احتلال غزة أو تدميرها بالكامل.

2.   فخ لمحور المقاومة
يشير البعض، الى انه قبل 7 أكتوبر، كانت قوة الردع "الإسرائيلية" قد تآكلت (تعاظم قوة حزب الله، نفوذ إيران، صمود حماس). وعليه، بالسماح (أو عدم منع) هجوم حماس، يمكن "لإسرائيل" حينها تبرير رد فعل ساحق يُعيد ضبط قوة الردع ضد جميع الخصوم.

وهكذا، تقوم اسرائيل باستدراج حماس إلى حرب لا يمكنها الفوز بها، وجرّ حزب الله أو إيران إلى مواجهة، بشكل مفاجئ ومباغت، في ظل ظروف مواتية "لإسرائيل"، ودفع الشعوب العربية الى التطبيع على أساس أن "حركات المقاومة" لا تجلب سوى الدمار، بينما التحالفات مع "إسرائيل" تجلب الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي.

بهذا المنطق: ألم قصير المدى ومكسب استراتيجي طويل المدى.

3.   خطط استراتيجية مُعدّة منذ فترة طويلة
لطالما أراد "الإسرائيليون" تغيير الشرق الأوسط، وفرض سيطرتهم على المنطقة. منذ حرب تموز عام 2006 استثمرت "إسرائيل" بكثافة في الاستعداد لمواجهات واسعة النطاق: أنظمة الدفاع الصاروخي، وحرب الطائرات بدون طيار، والقدرات السيبرانية، والعقائد العسكرية "متعددة الأبعاد"، ولأنها باتت مستعدة لها، وللسير في مخطط ضرب "محور المقاومة"، ذهبت اليها.

وهكذا، قد تُبرّر الحرب في غزة اتخاذ إجراءاتٍ أكثر عدوانيةً في لبنان وسوريا، وحتى إيران، تحت شعار "هزيمة الإرهاب"، وهذا يتماشى مع فكرة رغبة إسرائيل في إعادة رسم خطوط الأمن الإقليمي قبل أن تُعزّز إيران أو حلفاؤها نفوذهم أكثر.

4.   التحول الاستراتيجي الأميركي نحو آسيا

بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وانشغال الأميركيين ومعهم حلف الناتو باستنزاف روسيا، بدأ الأميركيون مرحلة استفزاز الصين لدفعها الى "فخ" الهجوم على تايوان. وبالتوازي، أوحت الأجواء، قبل هجوم حماس، أن التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يسير بتقدم لافت.

وعليه، أدرك "الإسرائيليون" أن الأميركيين سيتخلون عن الاهتمام بالمنطقة لصالح الانخراط في شرق آسيا لمواجهة الصين، وفي أوروبا لمواجهة روسيا، معتمدين على ترتيبات السلام والتطبيع والاستثمارات الاقتصادية التي يعتبرون انها تؤمن "لإسرائيل" الأمن، ولهم النفوذ، وتترك المنطقة مستقرة.

وعليه، بإثارة حرب، قد تدفع "إسرائيل" الولايات المتحدة إلى إعادة الانخراط عسكريًا ودبلوماسيًا في المنطقة، وتزيد موقع "إسرائيل" في الاستراتيجية الأميركية، ما يضمن استمرار الدعم والأسلحة والمساعدات المالية.

5. التوقيت الاستراتيجي والانتخابات الأميركية

غالبًا ما يكون للحروب في "إسرائيل" بعد سياسي أميركي. مع اقتراب الانتخابات الأميركية (عام 2024 آنذاك)، ربما حسبت "إسرائيل" أن الحرب ستُلزم الحزبين الأميركيين بدعمها دون قيد أو شرط، خوفاً من ضغوط اللوبي وخشية خسارة الانتخابات.

6. الانقسامات الداخلية وخطر الحرب الأهلية

خلال صيف 2023، وبسبب الإصلاحات القضائية، بلغ الانقسام في الداخل "الإسرائيلي" حداً كبيراً، لدرجة أن العديد من المسؤولين "الإسرائيليين" توقعوا حرباً أهلية.

وهكذا، يمكن أن تكون الحرب وسيلة "لتوحيد" مجتمع مُجزأ من خلال خلق خطر خارجي، وحرب تطمس الخلافات الداخلية.

7. بقاء نتنياهو الشخصي

كان لنتنياهو، على وجه الخصوص، مكاسب كبيرة من الأزمة، فقد صرفت الانتباه عن الفضائح السياسية وخففت ضغط المعارضة الداخلية، ومنحته القدرة على تأجيل المحاكمات بذريعة الاستهداف الأمني.

وبعد أن كان نتنياهو يواجه مشاكل قانونية وتراجعًا في شرعيته. يمكن للحرب أن:
-  تحشد الدعم حوله كـ"قائد في زمن الحرب"، وتجعل "المجتمع الإسرائيلي" يلتف حوله.

- تؤخر أو تُخمد حركات المعارضة، وتعطيه دفعاً لدى أحزاب اليمين.

- تسمح له بادعاء أهميته في مواجهة التهديدات الوجودية "لإسرائيل".

في الخلاصة، تبقى هذه فرضية من الفرضيات التي من المبكر تأكيدها.

 لكن، على الأكيد، تكبدت "إسرائيل" خسائر فادحة، حيث عادت القضية الفلسطينية الى الواجهة العالمية والدولية، وتكبدت "إسرائيل" كلفة هائلة مركبة الأبعاد: الخسائر البشرية بين الجنود واستنزاف الجيش والإمكانيات العسكرية، التكاليف الاقتصادية الهائلة، التدهور الكبير في الصورة الدولية "لإسرائيل" واتهامها بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، تأجيج المشاعر المعادية "لإسرائيل" في المنطقة والعالم الخ...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل