أقلام الثبات
تشكل العقيدة لأي جماعة بشرية، المرجع الأساس للعمل السياسي والاقتصادي والسلوك الاجتماعي والأخلاقي والتربوي وبناء الأسرة والمجتمع الصالح ولا يمكن هزيمة أو استعمار أي شعب أو أمة أو جماعة او حركة مقاومة إلا بتفجير عقيدتها وتحريفها او استبدالها ،فالعقيدة تحدّد السلوكيات والأهداف وتتحكم بالأفعال ،وتغيّر النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فكما نقل الإسلام ،قبائل العرب من الجاهلية العامة من التشتت والغزو والنهب وفق قانون المتغلّب والأكثر قوة إلى امّة موحّدة وصاحبة رسالة وحضارة، وكما نقلت العقيدة الشيوعية روسيا القيصرية من الفكر المسيحي الى الفكر الشيوعي وأسّست للشيوعية العالمية، وجمعت انصاراً لها من العرب والمسلمين والمسيحيين والأوروبيين ومن كل العالم وفرضت نفسها قوة عالمية لعقود، قبل سقوطها بمجرد سقوط العقيدة الشيوعية.
وفق هذا المبدأ التاريخي، تخوض الماسونية والصهيونية العالمية، حرباً ثقافية وفكرية، لتغيير العقائد والتقاليد والأخلاق التي تتناقض مع مشروعها ،
للتحكم بالعقل والقوانين الدولية وكل التفاصيل التي تشكل عناصر الهوية الثقافية والحضارية للفرد والجماعة ،فأمسكت بزمام الأزياء والإعلام والمناهج التربوية وتغيير معايير الجمال والأخلاق ومرتكزات الزواج، وتغيير مفاهيم الاستقلال والحرية والوطنية واستبدالها بمصطلح الاستعمار المخادع وتعريف المقاومة لتصبح إرهاباً ويصبح الغزو والاحتلال الأميركي و"الإسرائيلي" تحريراً للإنسان.
تشكل العقيدة الإسلامية الشيعية "عقبة رئيسية أمام المشروع السياسي والديني للتحالف الأميركي - "الإسرائيلي" خلال العقود الثلاثة الماضية والأخطر أنها بقيت وحيدة بعد معركة طوفان الأقصى" ومعركة "الإسناد" تواجه هذا المشروع الذي يقوم على ثلاثة ركائز ("إسرائيل" الكبرى - الشرق الأوسط الأميركي الجديد - الديانة الإبراهيمية) مما دفع التحالف الأميركي للعمل لنزع السلاح المادي للشيعية (المقاومة اللبنانية والحشد الشعبي العراقي - وأنصار الله في اليمن وإيران).. من الصواريخ وغيرها مع حرب أخطبوطية خبيثة ، لنزع سلاح العقيدة الأكثر خطراً عليهم، ولأن "السلاح والعقيدة" يتكاملان للدفاع عن بعضهما، فالسلاح يمنع المعتدين من فرض الشروط ويحمي اهل العقيدة، كما تشكل العقيدة حافزاً لحاملي السلاح وتمنعهم من الاستسلام او الانهزام، مهما كانت الظروف لسبب رئيسي، أن العقيدة الإسلامية الشيعية المؤمنة "بالله الواحد" ترتبط بعقيدة الانتظار والإمام المهدي التي تشترك مع بقية المذاهب السنية، بحتمية ظهوره وتختلف معهم حول ولادته.
ان العقيدة الإسلامية الشيعية، المرتبطة بالانتظار المهدوي ،تعتقد وتتصرف ،بأن القائد الحقيقي لها هو الإمام المهدي وبالتالي فإن مسألة "الإسناد والدعم القادم" آتٍ لا محالة وفق الوعد الإلهي ،ولهذا لا تفقد الأمل بالنصر ولا تستسلم ، وترتكز ميدانياً على النهج الحسيني ،كنموذج رسالي ،للقتال وعدم الاستسلام ،فيعيش الشيعة بين "الكربلائية والمهدوية" مما جعلهم يصمدون عبر التاريخ رغم كل القتل والحصار والتكفير والتهجير وإبعادهم عن الحكم والسلطة!
المشكلة الأساس، بين العقيدة الشيعية والمشروع الأميركي - "الإسرائيلي" تتمثّل بعدم إمكانية "اعتراف" الشيعة بإسرائيل حتى لو اعترف الفلسطينيون بها - وقد اعترفوا - فلا يمكن أن يعترف الشيعة بإسرائيل او يوقعوا صلحا او سلاماً وفق النص القرآني والسلوك النبوي وفتاوي الفقهاء المراجع ويقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: "إن السلام والقبول بإسرائيل معصية محرّمة شرعاً"، وأي سياسي يخالف العقيدة الشيعية سيقط حكما .
إن عدم اعتراف الشيعة بإسرائيل ،سيصيب مشاريع إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الأميركي بثقوب متعدّدة في لبنان والعراق وإيران واليمن ويخرّب اللباس السياسي والديني الجديد للمنطقة، مما جعل "الشيعة" عموما وليس المسلّحين منهم ، ،هدفاً أساسياً على مستوى العقيدة والسلاح ولابد من نزع سلاح العقيدة عبر تحريفها او التشكيك بها أو تسطيحها بالخرافة والطقوسية وتلقيح عقول الشيعة، بالمفاهيم الغربية التي تخدم المشروع الأميركي، بالتلازم مع نزع السلاح .
إننا نخوض حرباً دينية وحضارية، مما يستدعي حشد كل الطاقات وتحصين الوعي والثقافة والالتزام الديني وهذا ما تفتقر إليه جبهة المقاومة للمشروع الأميركي، حيث يغطُّ أهل الفكر والثقافة وعلماء الدين والمؤسسات البحثية في نوم عميق أو يلهون بحوارات عقيمة وسطحية ظرفية، مما يسهّل على الأعداء، اختراق منظومة الوعي والتحكّم بها ،لتلقيح العقول وتحضيرها للانقلاب على عقيدتها وتقاليدها وأخلاقياتها واعتناق العقائد الجديدة.
هل نبادر للدفاع عن هويتنا الثقافية والحضارية قبل إسقاطها؟
سلاح العقيدة الذي يخافه التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" _ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 02 أيلول , 2025 04:01 توقيت بيروت
أقلام الثبات

