الثبات ـ دولي
لم يكن توماس باراك، مبعوث إدارة ترامب إلى سوريا، مضطراً لأن يبتدع وصفاً غريباً حول سوريا حين قال: "شيء أقل من الفيدرالية، لكنه.. أي شيء". لا أحد يدري ما يقصده، وربما لا يدري هو نفسه!
لكن هذا ليس مجرد زلة لسان، بل انعكاس لتحول عميق في مقاربة واشنطن تجاه بلد ظلت الولايات المتحدة تتحدث عنه لعقود باعتباره وحدة سياسية لا تقبل القسمة. أمريكا التي دافعت - نظرياً على الأقل - عن سوريا الموحدة ذات المركزية الصارمة، صارت الآن تبحث عن صيغ بديلة: لا فيدرالية كاملة ولا مركزية مطلقة، وإنما حل وسط يترك لكل جماعة أن تحافظ على لغتها وثقافتها، ويقصي في الوقت ذاته ما تسميه واشنطن "تهديد الإسلام السياسي".
بهذا المعنى، يرى مراقبون أن باراك لا ينطق من فراغ. الرجل يعبر عن المزاج الأمريكي الجديد وعن اعتراف ضمني بأن الأزمات المتلاحقة والعنف المتنقل بين محافظات سوريا غذّى نزعات انفصالية صريحة.
تصريحات باراك إذن لا تُقرأ كتقدير شخصي، بل كإشارة سياسية: أمريكا لم تعد تراهن على استعادة سوريا المركزية الموحدة، بل على إعادة تركيبها بصيغة جديدة أقل تماسكاً وأكثر قابلية للتجزئة.
واشنطن بوست التقطت جوهر المسألة وأكدت أن العنف المتواصل في سوريا لم يعد مجرد اضطراب أمني، بل أصبح وقوداً لمطالب الأقليات بالحكم الذاتي. ومعه يزداد الشرخ بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية اتساعاً، حتى ليبدو الحديث عن الدولة المركزية مجرد حنين رومانسي إلى الماضي.
في الجوهر، تكشف كلمات المبعوث الأمريكي عن حقيقة صارت واضحة للجميع: أن الولايات المتحدة بدأت تتراجع عن خطابها حول وحدة سوريا، وتتهيأ لتسويق واقع جديد مفصّل على قياس خرائط النفوذ الدولية والإقليمية.