خاص الثبات
في لحظة مصيرية من تاريخ لبنان، وبينما تتفاقم الأخطار التي تهدد الكيان والسيادة والوجود، اختار البطريرك الماروني بشارة الراعي أن يطلّ من شاشة "العربية" السعودية المشبوهة، ليطلق مواقف مستفزة ومُجافية للواقع الوطني، موجّهًا سهامه إلى المقاومة وتضحياتها، مشكّكًا بوطنيّتها، بل مبرّئًا ضمنًا عدوّها الأول، العدو الصهيوني، من جرائمه التي لا تزال تنزف على أرض لبنان وفلسطين والمنطقة.
مقاومة صنعت الكرامة
ردّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان لم يكن ردًّا طائفيًا ولا سياسيًا، بل كان صوتًا من عمق وجدان وطني نازف، حمل بصدق عبء المرحلة وأمانة الشهداء. شدّد المفتي على أن من يتنكّر لتاريخ المقاومة ويتطاول على سلاحها، يتنكر للبنان نفسه، ولحريته، ولكل ما تبقى من سيادته.
قالها المفتي بوضوح: سلاح "حزب الله" و"حركة أمل" هو سلاح الله، لأنه سلاح دافع عن المظلوم، وردع المعتدي، وكسر مشروع الاحتلال، وهو السلاح الذي لولاه لكان لبنان اليوم ولاية تابعة لـ"إسرائيل الكبرى" التي يحلم بها نتنياهو.
الراعي و"السلام" مع قتلة الأنبياء؟
ما قاله البطريرك الراعي في لقائه الإعلامي لا يُفسّر إلا كغطاء ديني وسياسي لتبرئة العدو وتبرير ضرب المقاومة. فهل من المعقول أن يُعاد تعريف الوطنية بأنها تخلٍ عن سلاح ردعٍ حمى البلاد حين فرّ الآخرون؟ وهل أصبحت مقاومة "إسرائيل" جريمة تستوجب الإدانة بينما يتحول التطبيع والخضوع للوصاية الأجنبية إلى حكمة واعتدال؟
المفتي قبلان لم يجامل، بل قال الحقيقة كما هي: من يريد "إسرائيل"، فليذهب إليها. لأن من يطعن في ظهر المقاومة، إنما يطعن في قلب الوطن. والسلام مع قتلة الأنبياء ليس سلامًا، بل خيانة لكل قيم المسيح والأنبياء والرسل، وخيانة للمسيحية والإسلام معًا.
الوطن ليس طائفة.. المقاومة ليست مذهبًا
أراد البعض، وبينهم للأسف رأس الكنيسة المارونية، أن يجعل من المقاومة عبئًا على الوطن، بينما هي رصيده الحقيقي. إن الوطنية لا تُقاس بالتصفيق للحياد، ولا بالتنظير من صالونات الإعلام الخليجي، بل تُقاس بالدماء التي نزفت في الجنوب، والبقاع، والضاحية، وعيناتا، وبنت جبيل، وكل شبر دافع عن لبنان.
من هنا، فإن المفتي قبلان حين حذّر من حرب أهلية جديدة، لم يكن يهدّد، بل كان ينبه من منزلق خطير يدفع إليه البعض بسياساتهم الاستفزازية وتحالفاتهم المشبوهة، لا سيما في ظل مشروع أمريكي-صهيوني يريد تفتيت لبنان والمنطقة خدمةً لأطماع الاحتلال.
إيران والموقف الأخلاقي من التاريخ
ولمن يهاجم إيران، فقط لأنها تدعم خيار المقاومة، كان ردّ المفتي صريحًا: إيران هي مفخرة لكل حر، لأنها أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد، ووقفت في وجه واشنطن وتل أبيب حين خذلهم الجميع. ومن يهاجمها لأسباب مذهبية أو سياسية، فليقل لنا أولاً: من وقف مع غزة؟ من موّل صواريخ المقاومة؟ من كسر غطرسة العدو في حرب تموز وغزة وسوريا والعراق واليمن؟
بين خندق الوطن وخندق العدو
في الوقت الذي ينزف فيه أطفال غزة، وتُذبح فيه كرامة العرب من فلسطين حتى الجنوب اللبناني، يقف المفتي قبلان في الخندق الوطني الصحيح. أما الراعي، فاختار – مع الأسف – أن يصطف في خندق "السلام الزائف"، وأن ينقلب على مقاومة لم تطلب منه يومًا سوى أن يكون عادلاً.
الخط الفاصل اليوم واضح: إما أن نكون مع المقاومة التي أعادت للبنان كرامته، أو مع أولئك الذين ينتظرون "تأشيرة دخول" إلى بلاط التطبيع.
والمفتي قبلان لم يعلن موقفًا مذهبيًا، بل أطلق صرخة وطنية باسم كل من لا يزال يرى في المقاومة شرف لبنان وعنوان عزته. رحم الله من عرف قدره.. وقدر مقاومته.