أقلام الثبات
ليس غريباً استخدام أبناء محافظة السويداء عبارة "الطلاق الدرزي الذي لا رجعة فيه" مع حكومة دمشق، بعد المجازر التي ارتُكبت بحق أبناء هذه المحافظة، والحصار الخانق الذي تتعرض له حالياً، بل الغريب أن مستشار الرئيس أحمد الشرع؛ المدعو أحمد موفَّق زيدان، برَّر هذا الحصار عبر قناة الإخبارية السورية بالقول: "زوجة طلبت الطلاق، ليس من حقها أن تطلب من زوجها نفقة".
هذا الطلاق ما زال أي متابع حائراً في تحديد طبيعته، بين حُكم ذاتي وفيدرالي وتقسيم، ولو أن التظاهرات الأخيرة في أكثر من منطقة في السويداء، أجمعت على وجوب التقسيم والانفصال عن سورية وإعلان استقلال الدولة الدرزية، بصرف النظر عن تسميتها ودستورها وشكل الحكم فيها، ووجوب استفتاء الشعب في هذا الشأن قبل إقرار أية انتخابات برلمانية، إضافة الى استنهاض الاقتصاد وجلب الاستثمارات، التي يبدو أن المتمولين الدروز في الاغتراب بدؤوا بتشكيل مجموعات ذات شأن قادرة على إعادة الإعمار وإطلاق ورش عمل لترميم البنى التحتية.
ويبدو أن شكل الحكم الفيدرالي الذي يُطالب به الأكراد في الشمال الشرقي، حاول أبناء السويداء "تقليده" وتطبيقه في محافظتهم قبل الهجوم الصاعق للقوات "الحكومية" المدعومة من البدو والعشائر، لكن يبدو أن النتائج الكارثية لهذا الهجوم لم تتضح بالكامل بعد، بالنظر الى وجود 38 قرية محروقة ومدمرة ومصير مفقوديها غير معروف لغاية الآن، تُضاف إلى هذه الارتكابات مسألة حصار السويداء، لدرجة أن الأدوية المطلوبة لمعالجة المصابين بالأمراض المزمنة قد نفذت، وبدأت أخبار وفيات البعض من المرضى متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانوا من الذين يخضعون دورياً لجلسات العلاج الكيميائي، أو مرضى السكري نتيجة فقدان مادة "الأنسولين".
وما بين تباهي جماعة الحلقة الضيقة للرئيس أحمد الشرع، بنجاعة حصار السويداء، وفي مقدمتهم مستشاره أحمد زيدان، تعالت أصوات الناشطين السوريين في الخارج، سواء عبر التوجه إلى منظمات حقوق الإنسان وتزويدها بالفيديوهات التي توثق الانتهاكات بحق أبناء السويداء، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف الضغط لفتح معبر إنساني للمحافظة مع الأردن، لكن الأمر بدا مستحيلاً، لأنه يشكل خطراً مباشراً على أمن الأردن، بالنظر إلى وجود العشائر العربية على مقلبَيّ الحدود في البلدين، وأي انفتاح أردني على الجارة السويداء سيستفز هذه العشائر، إضافة إلى وجود ناشط لجماعة "الإخوان المسلمين" في الداخل الأردني، الذي يعتبر أمنه هشَّاً ولا يحتمل المزيد من الانتفاضات الشعبية.
هنا، بدا فتح معبر "إسرائيلي" عبر القنيطرة الى السويداء، بإشراف ضابط درزي في الجيش الصهيوني، وكأنه جسر الخلاص الأوحد للمحافظة المحاصرة، لا بل اعتُبر هذا الضابط وكأنه الحاكم العسكري لمحافظات الجنوب السوري، ومع بدء العمل في فتح هذا المعبر، اعتقد كثيرون أن أبناء محافظة السويداء يميلون بمعظمهم إلى الارتباط السياسي والعسكري والاقتصادي بالكيان "الإسرائيلي"، وارتفعت فعلاً حدَّة المطالبات باستفتاء شعبي حول تقرير مصير المحافظة في أجواء تميل إلى الانفصال عن سوريا عبر التقسيم، لأن الفيدرالية لم تعُد تفي بالغرض نتيجة النفوس المشحونة بالحقد على جرائم حكومة دمشق، والتي تُرجمت بترحيل مئات العائلات من البدو الى خارج السويداء.
وقد تكون محافظة السويداء أكثر المحافظات السورية تأثراً من فكرة الانفصال عن سورية المُوحَّدة، هي التي تُفاخر بقائدها التاريخي سلطان باشا الأطرش، الذي وضع الدروز في صدارة المشهد الوطني بمواجهة الفرنسيين، وانتصرت سورية بقيادة الأطرش، الذي زاره الرئيس جمال عبد الناصر في السويداء عام 1960، وحملت الجماهير الأطرش على الأكتاف بزهوٍ وفخر لأنه منح الدروز شرفاً ومجداً في تاريخ العروبة.
السويداء هذه لم تتغير، بل دمشق هي التي تغيرت، ومع الجزم أن هذا التغيير يعتبر موسمياً نتيجة رفض البيئة الشعبية الدمشقية للحالة الإرهابية التي مزَّقت تاريخ إسلام بلاد الشام، فإن الخشية هي على السويداء التي لن تستطيع الصمود معيشياً لا بل حياتياً وسط الحصار، وأن قرار الانفصال النهائي للأسف قد اتُّخذ برأي ابن السويداء المحامي ورجل الأعمال فراس الشوفي.
وإذ طالب المحامي الشوفي بإجراء استفتاء شعبي في السويداء حول شكل الحكم في المحافظة بعد طلاقها مع دمشق، فإنه يرى أن الفيدرالية لم تعُد مقبولة في أوساط الدروز، لأنها تبقيهم مرتبطين بالدولة السورية، لجهة الجيش والجمارك والجوازات والاقتصاد وكافة المُشتركات الاتحادية في دولة فيدرالية، ويؤكد الشوفي أن 70% من أبناء السويداء باتوا يرون في التقسيم حلاً وحيداً كضمانة وجودية لهم، وربما نجحت "إسرائيل" كدولة دينية - مع الأسف - في خلق أولى الدويلات الدينية في جوارها من بوابة السويداء.