أقلام الثبات
الاصرار والتمادي "الاسرائيليَّين" في حرب الابادة مع اقتراب حلول سنتين للحرب على غزّة، لا يُظهران اي مؤشر حقيقي على نهاية قريبة، وإنما تشي كل المؤشرات بان الكيان الغاصب - وليد الغرب - ذاهب الى توسيعها واحتلال قطاع غزة, وتسخين جبهات اخرى مع تذخير الكيان بكل احتياجات الحماية , من الاغطية السياسية والدبلوماسية , والاقتصادية , والعسكرية والامنية , ونجاح الجهات الاكثر دموية وتعصبا في نشر لأيديولوجية اليهودية العنصرية، المتفوقة في معاداة الانسانية, على النازية والفاشية وداعش.
في السياق، لم يتوان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان") أهارون حاليفا، الذي استقال بعد 7 اكتوبر على الاشهار قائلا : "الفلسطينيون بحاجة بين حين وآخر إلى نكبة كي يشعروا بالثمن"، وكشفت تسجيلات مسربة: "قلت قبل الحرب إن الثمن يجب أن يكون مقابل كل إسرائيلي يُقتل في 7 أكتوبر، يجب أن يموت 50 فلسطينيا، وليس مهما الآن أن يكونوا أطفالا".
رفع منسوب الاجرام كان في السابق وفق خطط متدرجة يضعها ما يسمى "حكماء اسرائيل" في الاجتماع السنوي الذي يعقد في هرتسليا , بموازاة توفير حواضن اقليمية ودولية مسنودة الى اضاليل اغرائية للنظم العربية , مع توهين الارادات في استحالة مواجهة "اسرائيل", وإطلاق حملات دعائية واسعة امام الغرب , بان العرب يجب ان يشتت شملهم حتى يبقى الكيان على قيد الحياة كقاعدة غربية بإمكانها السيطرة على المنطقة لحفظ المصالح الغربية وتوسيع امديتها .
اما اليوم فكما بات واضحا فان الكيان ممثلا بحكومة الاجرام برئاسة بنيامين نتنياهو , يرى ان الفرصة التاريخية قد سنحت للإطباق الكلي ,مع التصفية النهائية لقضية العرب الاولى كما كان يعلن , الا وهي القضية الفلسطينية , وتحويل المنطقة الى دويلات متنافرة يسود في كل منها عصبة متعصبة تلتقي مصالحها الفئوية مع الاقوى في المنطقة اي "اسرائيل".
لذلك جاهر بنيامين نتنياهو , بان الاوان حان لتحقيق حلم "اسرائيل الكبرى", واعلان الموقف بكل فجور لم يكن ابدا زلة لسان او حماسا دفعه اليه السائل، كونه أدرك منذ إطلاق حرب الابادة على الشعب الفلسطينية , ان الانظمة العربية , ولا سيما تلك التي تشملها مخططات " اسرائيل الكبرى " ستبادر الى الادانة الكلامية ليس الا, مع ادراكهم , انه مشروع أيديولوجي راسخ في الفكر والسياسة "الإسرائيلية".
لقد اسفر الاحتلال عن وجهه الحقيقي كاملا, ورغم ذلك لم يهتز ركن عربي واحد بشكل يعكس الخطورة التي تحدق به مباشرة , وهو خطأ يتجدد كلما سنحت الظروف الإقليمية والدولية, الا ان المفاجأة التي سجلها العرب لم تقتصر خذلانا الى هذا الحد تجاه شعوبهم , وبينما كانت اتجاه لنتنياهو وكأنهم يقدمون له باقة ورد, بحيث ان العرب , لم يصلوا حتى الى مستوى الادانة الرغوية, وانما اكتفوا بطلب توضيح , رغم ادراكهم ان امنهم القومي سيكون في مهب الريح خصوصا للذين تربطهم معاهدات واتفاقات مع الكيان الصهيوني , الامر الذي يستوجب الاطلالة على اتفاقيات كمب ديفيد , ووادي عربة , واوسلو , واتفاقات ابراهام .والنظر اليها من نافذة واضحة الرؤية :الم " السلام الموعود" بين مصر وإسرائيل وبين الاردن و"اسرائيل"، والسلطة الفلسطينية , مجرد مناورة ضمن الخديعة الكبرى وهل مشاريع التطبيع الحالية مع دول الإيراهيميات السفيهة, هي محطات على درب تحقيق حلم "اسرائيل الكبرى"؟
وفي لبنان، أليس واجبا السؤال ,رغم خطورته , وهو ,هل تساهم السلطة اللبنانية التي جيء ببعض رؤوسها من الخارج , بتحقيق رؤية نتنياهو "لإسرائيل" الكبرى؟
إذا كان الجواب نفيا , فلماذا لا يوجد على سلم اولويات السلطة اللقيطة ,الا ورقة اميركية هدفها تجريد المقاومة من سلاحها , وفق ما تريد "اسرائيل" التي لا تزال تحتل الاراضي اللبنانية , وتقتل اللبنانيين وتمسح السيادة برا بحرا جوا ,بأحذية جنودها , بينما حكومة , دينغ , دينغ, دينغ, تمنى نفسها بدبس السلطة من قفا النمس الاميركي , كمكافأة على تحقيق حلم نتنياهو .
لم يصدر عن اي مسؤول رسمي لبناني , موقف, ولو من باب رفع العتب امام التاجر الاميركي ينتقد ولو بخجل اعلان نتنياهو عن "اسرائيل الكبرى" التي تقتطع مساحة لا يستهان بها من لبنان , وتشرد مئات الاف اللبنانيين , او تحولهم الى ماكول لصواريخ الطائرات والبوارج وقذائف المدافع , لان السلطة قاصرة ,عن القول حتى كلمة لا , وليس الدفاع عن ارض الوطن وشعبه.
لم تكن قيادات الاحتلال لتتخذ قرارات والمجاهرة بارتكاب الجرائم وتوسيع حربها، رغم تدهور صورتها الدولية، لو لم تكن متيقنة من الدعم الأميركي اللامحدود , لكن السؤال المطروح حتى اسرائيليا , هو كيف بلغت العقلية "الإسرائيلية" هذه الدرجة من الإجرام؟
يرى الحقوقي ميخائيل سفاراد، في كتابه "الاحتلال من الداخل" ، أنّ "السيطرة الإسرائيلية المعادية للديمقراطية على ملايين الفلسطينيين طوال عشرات السنين هي أرضية خصبة لأيديولوجيا يهودية عنصرية تحوّلت إلى حاضنة للاستبداد".
لكن تأييد جزء كبير من الرأي العام الإسرائيلي لجرائم الحرب نجم عن أن "المحكمة العليا لم تتعامل أبدا مع الفلسطينيين على أنهم مجموعة واحدة، وإنما كأفراد فقط، ولذلك ليس لهم تاريخ وإنما سيرة ذاتية فقط. ووجودهم مؤقت وعابر".
منذ بداية الحرب على غزة حرضت المؤسسة السياسية والإعلامية في إسرائيل على طرد جماعي للفلسطينيين واستهداف المدنيين والإبادة الجماعية. "ورغم أن تصريحات كهذه تعالت في إسرائيل في الماضي، إلا أنها لم تكن أبدا طبيعية، لكنها أصبحت تصريحات شرعية ويومية بعد 7 أكتوبر. ونفذ وزراء وأعضاء كنيست وصحافيون وفنانون ومؤثرون في الإنترنت، نزع إنسانية مطلق عن ملايين الغزيين ودعوا، بدون أي تردد، إلى ’محو’ وقتل’ وإبادة’ وإلقاء قنبلة ذرية’ وتنفيذ ’نكبة ثانية’. واكتفى المشفقون بالدعوة إلى ’الطرد’".
ووفقا لسفاراد، فإنه قبل الحرب على غزة نفذت حكومة نتنياهو "الانقلاب القضائي"، أي خطة إضعاف جهاز القضاء الإسرائيلي، وكان القضية الأبرز في إسرائيل، إلا أن حكومة نتنياهو نفذت انقلابا ثانيا، وهو "تغيير جذري للبنية النظامية ومنظومة الصلاحيات الإدارية في الضفة الغربية، الذي يعني ضما قانونيا كاملا".
أضاف أن "كلا الانقلابين حدثا في موازاة بعضهما. وهدف كلاهما إلى إجراء تغيير شامل لنظام الحكم الإسرائيلي. وجميع الإسرائيليين علموا بالانقلاب الأول، والاحتجاجات ضده أخفت الانقلاب الثاني بشكل كبير".
- نعم , هكذا بدأ تنفيذ الخطة الكبرى , داخل الكيان وخارجه , وقادة الاقطار العربية والاسلامية , يساهمون كل منهم بحسب دوره المرسوم , اكان ادانة , او طلب توضيح , او القول , ان هذا او ذاك "غير مقبول".
"إسرائيل الكبرى" وحرب الابادة.. المساهمات العربية ولبنان الشريك ــ يونس عودة
الثلاثاء 19 آب , 2025 09:05 توقيت بيروت
أقلام الثبات

