خاص الثبات
منذ أن خرج لبنان من رماد الحرب الأهلية، وبدأت ترتسم فيه ملامح دولة تحاول أن تقف على قدميها، كانت هناك قوة واحدة ترفض أن تكون بلد الأدوار الثانوية: المقاومة اللبنانية.
هذه المقاومة التي وُلدت من رحم الاحتلال، والتي نشأت في الأزقة المحاصرة بالمدافع، لم تكن يومًا مشروع حزب أو طائفة، بل كانت صرخة شعب في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وامتدادًا له في وجه كل من أراد أن يجعل من لبنان منصة للابتزاز أو ورقة مساومة في بازار السياسة الإقليمية.
اليوم، وبعد كل التضحيات التي قدّمها لبنان، يأتي من يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. تقف السعودية، ممثلة بـ "يزيدها"، على رأس حملة سياسية واقتصادية هدفها الواضح: تحجيم دور المقاومة، وفرض واقع سياسي يخدم المحور الأميركي – الإسرائيلي – الخليجي.
لكنهم نسوا أو تناسوا، أن لبنان ليس دولةً تدار من السفارات، وأن المقاومة ليست بندًا تفاوضيًا يُمنح مقابل مكاسب في اليمن أو البحرين أو العراق. هذا وهمٌ خطير يتبناه محمد بن سلمان، الذي يحاول أن يحوّل كل ساحات العرب إلى طاولة صفقة واحدة، عنوانها: من يتنازل أكثر لأميركا لكن لبنان يرفض. والمقاومة ترفض.
المقاومة ليست حزباً… إنها نبض وطن
حين يتحدث البعض عن المقاومة وكأنها "مشكلة"، فإنهم يتجاهلون أن هذه "المشكلة" هي التي حررت الجنوب في عام 2000، وصمدت في وجه العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وهي التي تقف اليوم كقوة ردع تحمي لبنان من التهديدات اليومية التي يطلقها قادة العدو.
المقاومة ليست خيارًا طارئًا، بل حاجة دائمة في وطن محاط بالأطماع، محكوم بجغرافيا الخطر، ومخترق سياسيًا واقتصاديًا من أطراف لا ترى فيه سوى ساحة لتصفية الحسابات.
السعودية… راعٍ لمشروع الانقسام
السعودية اليوم، وقد فشلت في كل ساحاتها: من اليمن حيث تحوّلت إلى مستنقع دم، إلى البحرين حيث تدعم نظامًا يقمع شعبه، إلى العراق حيث انكشفت أدواتها، تريد أن تعوّض هذه الخسائر بتحقيق نصر معنوي في لبنان.
ولنكن صريحين: السعودية لا تريد الخير للبنان. هي تريد فقط أن يكون لبنان تحت جناحها، تابعًا لا شريكًا.
تُمارس الرياض اليوم لعبة خبيثة: تمنع المساعدات، تحرّض ضد أي رئيس لبناني يرفض كسر المقاومة، وتقدّم نفسها وسيطًا وهي طرف مباشر في الانقسام الداخلي. لا تريد رئيسًا توافقيًا، بل تريد رئيسًا يأتمر بأمرها، ويعلن العداء للمقاومة باسم الحياد.
لبنان ليس للبيع
في هذه اللحظة المفصلية، يجب أن يُقال الكلام بوضوح: لبنان ليس للبيع. لا مقابل مساعدات مشروطة، ولا مقابل انفتاح خليجي مزعوم، ولا مقابل سلطة لم تحمِ يومًا حقوق شعبها.
لبنان يستحق رئيسًا يحمي المقاومة. يستحق سياسة خارجية مستقلة، لا تمليها الرياض أو واشنطن. ويستحق خطابًا وطنيًا جامعًا، لا خطابًا طائفيًا يحاكي أوهام "المجتمع الدولي" أو "الأشقاء".
من بيروت إلى مارون الراس… الكرامة لا تُفاوض
من بيروت التي قاومت الاجتياح، إلى الجنوب الذي أذلّ جيش الاحتلال، ومن الضاحية التي تحمّلت العدوان، إلى البقاع والشمال وكل بقعةٍ ترفض التبعية: لبنان لا يُدار من الخارج. لبنان يُحمى برجاله ونسائه، بمقاومته، بوعيه، وبدماء شهدائه.
وكل من يظن أن بإمكانه كسر هذه المعادلة، عبر الضغوط أو الابتزاز أو التفاوض، فهو لا يعرف شيئًا عن لبنان… ولا عن المقاومة.