أقلام الثبات
في أول تحرك إيراني عقب توقيع اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان في البيت الأبيض، يستعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لبدء زيارة محورية إلى العاصمة الأرمينية. وتأتي زيارة بزشكيان في وقت تستشعر إيران بخطورة الاتفاق الذي رعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتمّ الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان على افتتاح "طريق ترامب للازدهار والسلام" قرب الحدود الإيرانية - الأرمينية، وهو ممر استراتيجي للنقل والاقتصاد يربط إقليم ناختشيفان بالأراضي الأذربيجانية. كما تمنح أرمينيا الولايات المتحدة حقوق تطوير حصرية لمدة 99 عاماً، وخططاً لتضمينه شبكات سكك حديدية، خطوط أنابيب نفط وغاز، وألياف ضوئية وغيرها من البُنى التحتية. كذلك تمّ الاتفاق على إلغاء مجموعة مينسك، ووضع الولايات المتحدة وسيطاً بديلاً للمجموعة الدولية.
الاتفاق يُمثّل تراجعًا ملحوظًا لنفوذ روسيا وإيران في منطقة جنوب القوقاز، ويُعزّز التوجّه الغربي لأرمينيا. في المقابل، يُعتبر الاتفاق انتصاراً حاسماً لأذربيجان، التي حصلت على ما تريده من الاتفاق والممر، وكذلك نصّ الاتفاق على رفع قيود أميركية قديمة (حظر بموجب قانون دعم الحرية) على أذربيجان ما يتيح الآن التعاون العسكري والتقني بين الولايات المتحدة وأذربيجان، بما في ذلك بيع أسلحة وتبادل تدريبي.
لا شكّ تستشعر إيران بخطورة الموقف، وتسعى من جانبها - وبما انها لا تستطيع أن تمنع تنفيذ الاتفاق- أن تحدّ من آثاره عليها، خصوصاً أن إيران تنظر إلى هذا الاتفاق على أنه تهديد قد يؤدي إلى محاصرتها وتهميش دورها في شبكة الممرات الدولية، وزيادة النفوذ الأجنبي بالقرب من حدودها ما يشكل "اختناقًا جيو - استراتيجيًا" من ناحية القوقاز، ومحاولة لتهميش دورها الإقليمي.
وتتلخص الهواجس الإيرانية بما يلي:
1- يوفر الممر الجديد طريقًا بريًا مباشرًا يربط أذربيجان بتركيا. هذا الطريق البديل يقلل من اعتماد أذربيجان على إيران كمعبر للوصول إلى ناختشيفان، مما يهدد دور إيران التاريخي كمركز ترانزيت رئيسي في المنطقة ويقلل من نفوذها الاقتصادي.
2- يُنظر إلى المشروع على أنه محاولة من قبل الولايات المتحدة وتركيا لزيادة نفوذهما في منطقة جنوب القوقاز، التي تعتبرها إيران مجالًا حيويًا لأمنها القومي.
3- مخاوف أمنية: يمر الممر في محافظة سيونيك الأرمينية، التي تقع مباشرة على الحدود الشمالية لإيران، وتستثمره الولايات المتحدة لمدة 99 عاماً. هذا القرب الجغرافي يشكّل قلقًا لدى إيران من إمكانية وجود قوات أو بنى تحتية أميركية في منطقة حيوية ومهمة لها، بالإضافة الى وجود إسرائيلي في أذربيجان، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها. وعليه، سيطالب الرئيس الإيراني ارمينيا بضمانات أمنية واضحة تحمي مصالح طهران، وألا تشكّل أرمينيا قاعدة لاستهداف الأراضي الإيرانية.
4- التطويق: ترى إيران أن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى عزلها من ناحية القوقاز، حيث يهدد بقطع طرق التواصل البرية مع أرمينيا، التي تُعد شريكًا تجاريًا واستراتيجيًا لإيران.