أقلام الثبات
يصول الموفدون الأميركيون والسعوديون في لبنان، ويجولون حاملين معهم أوراق الإملاءات وأوامر غب التنفيذ، يستلمها حكام لبنان صاغرين، وكيف لا يخضع حكام لبنان للرغبات الأميركية والسعودية؛ ومن خلفها بالطبع المخططات "الإسرائيلية"، مادامت عملية الفرض الأميركي والسعودي هي التي صنعتهم، فلولاها ما كان الرئيس رئيساً، ولا كانت الحكومة ورئيسها في أعين الناس، فليس شرطاً أن كل قائد للجيش يجب أن يجلس على كرسي رئاسة الجمهورية. أما نواف سلام، فما كان بإمكانه أن يصبح مختاراً في محلة المصيطبة أو المزرعة، لولا المشروع الخارجي الذي اضافه إلى لائحة رؤساء الحكومات، ليستخدمه في تمهيد الأرض للتطبيع مع العدو "الإسرائيلي".
فكل هذا العهر السياسي، يهدف في نهاية مطافه إلى فرض التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، لكنه فرصة للقوى السياسية المعادية تقليدياً للهيمنة الأميركية على بلادنا، لكي تستنهض ما تبقى لها من حيوية، خصوصاً أن معظم ما كان يسمى "قوى وطنية" في لبنان بني عقائدياً على العداء للاستعمار ورفض التبعية؛ وعلى معاداة "الإمبريالية الأميركية" وأذيالها من دول حلف "الناتو"، كما ان بعض تلك القوى والأحزاب له "ثأر شخصي" على الأميركيين، وعلى من يخدم مشاريعهم من أغراب وأعراب.
والقوى المقصودة في دعوة الصحوة والنهوض، هي الأطراف التي شكلت في مرحلة مضت ما سمي "الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية"، التي انطلقت من اتخاذ القوى اليسارية من الزعامة الوطنية للراحل كمال جنبلاط خيمة تتحرك في ظلها وتقيها ضربات النظام اللبناني وقواه الفاشية؛ وشكلت تلك الخيمة موقع تجمع لكل القوى اليسارية والعروبية والقومية، في نضالها لتحقيق بعض مطالبها، مثل وضع حد أدنى للأجور وإنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي، إنشاء الجامعة الوطنية ودعم التعليم الرسمي؛ وإقرار بعض الحقوق العمالية وغير ذلك. وهذه المكاسب الشعبية جرى الانقضاض عليها مؤخراً، في ظل الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة والمملكة السعودية.
والسؤال هنا، ما هو مستقبل حزب مثل الحزب الشيوعي اللبناني، إذا سكت على انتزاع السلطة كل المكاسب اعلاه؛ إضافة إلى تحويل لبنان إلى "جمهورية موز"، لا بل جعله مستعمرة أميركية خالصة، تدار من سفارة عوكر ومن قاعدة حامات العسكرية، وأين جمهور ومناضلي هذا الحزب الذي كان يقال عنه إنه "حزب موسكو"، خصوصاً أن بعضاً ممن ما زال يحمل كرة نار النضال من الشيوعيين، يتهم كثيراً "من رفاق الأمس" بأنهم إما التحقوا بزعامات طوائفهم ونالوا وزارات ونيابات ووظائف دسمة، أو اندمجوا عن طريق جمعيات الـ "ngos “ وغيرها في مشاريع اليمين؛ وتأمركوا وباتوا خارج أي حساب في مواجهة الهيمنة الأميركية والرجعية السعودية، على قرار السلطة في لبنان. فهل يكون قرار التصدي للتغول الأميركي في لبنان، فرصة لهذا الحزب الذي تخطى عمره المائة عام، لكي يجدد دماءه ويستجمع أشتاته ويستعيد حضوره؟
والأمر نفسه يقال عن "منظمة العمل الشيوعي"، التي بدلت اسمها مؤخراً، فهل تخلت نهائياً عن العروبة التقدمية؛ وهي الآتية من "حركة القوميين العرب"؛ وهل ما زال النضال الاجتماعي يعنيها؟ وكذلك، هل ما زالت تؤمن بالنضال ضد الإمبريالية وتنصر الشعوب المظلومة، خصوصاً في فلسطين وفي كل جوارها المستهدف بالمشروع الصهيوني – الأميركي؟
والبعث العربي بشقيه، السوري والعراقي، هو صاحب ثأر وولي الدم مع الأميركيين، الذين أطاحوا بحكم الحزب في العراق وسورية، ألا يشكل هذا الانهيار المهين لنظامي الحزب في بغداد ودمشق، فرصة للتعالي عن المصالح وإسقاط الأحقاد وإعادة توحيد الحزب، على قاعدة شعاراته المتصادمة بالكامل مع ما يرسم للمنطقة العربية؟ خصوصاً أن الساحة ليست خالية من بعض القيادات التاريخية، التي نأت بنفسها عن صراع بغداد ودمشق؛ ويمكن لها أن تشكل صلة الوصل المطلوبة.
والحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي كان يفترض أن يزداد قوة ونفوذاً وانتشاراً خلال وجود "الجيش الشامي" في لبنان، أليست فرصة ذهبية له ليستعيد وحدته ويوقف عمليات الانشقاق، التي تصيبه بين مرحلة وأخرى، بل لعلها فرصة لا تعوض ان ينخرط القوميون السوريون في مواجهة الهيمنة الأميركية على لبنان، لأن الأميركي يعمل على تخريب الجغرافيا السورية وإفساد ديمغرافيتها؛ ويجعلها طيعة أمام المشروع الصهيوني الاحتلالي والتوسعي، كما أن الأميركي ومن خلفه السعودي، يعملان على ملأ الفراغ بدعمهم القوى الانعزالية والتكفيرية.
أما الناصريون، الذين بلغت تنظيماتهم العشرات في مرحلة سبعينيات القرن الماضي، فقد تبخرت اسماء وعناوين عديدة منهم، لكن بعضهم ما يزال قابضاً على جمر العروبة، لكن عروبة هذه الأيام هي عروبة الرجعية السعودية والرشاوى الإماراتية. في حين أن استعادة الدور التحرري والوحدوي التقدمي، لا تكون بغير استعادة وهج مواجهة الاستعمار والرجعية، أما انتظار عودة جمال عبد الناصر للسير خلفه والهتاف له، فلن يردع الاستعمار والرجعية عن صهينة المنطقة العربية وتحقيق "إسرائيل الكبرى".
العجب أن "حزب العمل الاشتراكي العربي"، تجاهل خروج المناضل جورج إبراهيم عبد الله من سجنه في فرنسا. وجورج مثل كل اللبنانيين في جناح "حركة القوميين العرب"، الذين تمركسوا وشكلوا تنظيماتهم الخاصة، فكان "حزب العمل" هو الجناح اللبناني لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، مثلما تعتبر منظمة العمل الجناح اللبناني للجبهة الديموقراطية. ولعل وهج خروج جورج عبد الله من السجن، يعطي حيوية للبنانيي الجبهة الشعبية، فينخرطون في مواجهة الأميركي، الذي بنيت عقيدتهم السابقة واللاحقة على رفضه ومواجهته.
ولتعلم الأجيال الشابة، أن هذه الأحزاب، لم تكن يوماً من دون سلاح، فقوات "أبو خالد العملة" في حركة "فتح"، كانت محسوبة على الشيوعيين. ومنظمة العمل الشيوعي كانت حليفة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. و"حزب العمل الاشتراكي العربي" كان حليفاً لـ"الجبهة الشعبية". والبعث العراقي كان له تنظيمه المسلح "جبهة التحرير العربية". والبعث السوري كانت لديه "منظمة الصاعقة"، وقوافل قوات ومحمولات "المرابطون" و"الاتحاد الاشتراكي" كانت تتواجد في كل المعارك، كما أن "القيادة العامة" طالما نسقت مع بعض الناصريين، فهل تستمر "القوى الوطنية والتقدمية" في سباتها، أم تستعيد دورها وحضورها في مواجهة العدو الأميركي - "الإسرائيلي"؟
