أقلام الثبات
بات واضحا ان اندفاعة المشروع الاميركي - الصهيوني لإعادة ترتيب المنطقة والسيطرة على ثرواتها تشهد تزخيما غير مسبوق في استخدام الادوات العربية على اختلافها؛ من انظمة ارتضت الهوان الاخلاقي قبل السياسي والثقافي, وكذلك الادوات المحلية في كل بلد، ولبنان ضمناً.
ليست الشعارات والعناوين مثل "الفرصة الاخيرة" و "لا يوجد وقت" و الموافقة على "الورقة الاميركية بلا تعديل" والتهديد بالعقوبات والحصار الاقتصادي وغيرها من وسائل الضغط الاقصى، الا في سياق عملية الترهيب التي تقوم عليها اركان السياسة الاميركية و"الاسرائيلية"، والتي تحمل في طياتها التهديد بالقتل، اكان افراديا لكل متمنع جرى اعداده وجيء به اصلا لتنفيذ دوره في المشروع الام , بأغشية "قانونية " لقرارات وان كانت غير دستورية، مع ادراك اصحابها تمام الادراك ,انها تؤسس لفتن بين ابناء الوطن الواحد, وقد تجر الى تدمير الكيان , على رؤوس الجميع، لكن مع رهان غبي بانهم سينفذون ويتنفذون.
الم يدرك الذين انزلوا في المظلات ليكونوا عصب السلطة التنفيذية في لبنان, أن قراراهم المبتور وطنيا لعدم موافقة مكون اساسي في لبنان, والتمادي في الامر من خلال القاء كرة النار بين يدي الجيش اللبناني كمؤسسة يجمع على نقاء سريرتها اللبنانيون جميعا , بانه صاعق تفجير لكل الشرك المعد له؟
لقد اتُّخذ القرار عن سابق تصميم , وعلى طريقة التهريب العلني امام حماة الدستور والمواثيق , ولم يكن مفاجئا لاحد, مع يقين المنفذ بانه خنجر مسموم, تواطئ السلطويون الجدد على غرزه في الوحدة الوطنية المبتغاة , بأمر خارجي واضح المصدر والمعالم وبرعاية قوة سلاح خارجي, يمتد من السعودية الى اميركا ومنبعه تل ابيب التي اشهر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو , بان المساهم الحصري في القرار, والحكومة اللبنانية نفذت بقوله : حربنا في لبنان ساعدت الحكومة اللبنانية البدء في مساعي نزع السلاح وما يحدث في لبنان حاليًّا سببه "إسرائيل".
ان الوزراء " الإمعات " بما فيهم عصابة الاربع الذين جاهروا قبل سويعات من تسلمهم مناصبهم , بتكليف واضح بالهجوم السياسي والامني على المقاومة , كتأكيد على استعدادهم لتنفيذ المهمة الموكلة اليهم.
اما الذي كان يوصف بانه " فيلتمان صغير" , نسبة الى السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان (2004 إلى 2008.) لأنه اول من رشح سلام لتولي رئاسة الحكومة, بعد ان اعلن خلال فترة عمله في الأمم المتحدة، انه مع إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وقد كان له دور في هذا الملف منذ العام 2007 بعد تسلمه مهامه في نيويورك .وهذا الامر كان بطاقة الانتساب الى المشروع , الذي بدأ اعداده منذ ذلك الوقت , وتحضير جيش الترويج له من الاعلاميين, لبنانيين خصوصاً، الذين كانوا يخضعون لدورات مكثفة في الولايات المتحدة الاميركية , ولا يتسع المقال لتعداد الاسماء في قائمة العار الاعلامية، كما ان نواف سلام احد المستشارين المنتقين بعناية عام 1982 للترويج آنذاك لاتفاق الذل المعروف ب17 ايار , والذي اطاح به الشعب اللبناني ومقاومته الناشئة حديثا .
صحيح ان هجوم المشروع الاميركي - الصهيوني غير مسبوق تغولا, في القتل والتدمير والعنف , لكنه حتى الان لم يتمكن من حسم اي من معركه في اي ساحة من ساحات الصراع , ولا سيما على التماس الجغرافي بما في ذلك سوريا رغم خروجها من دائرة الصراع كنظام , وهو النظام غير القادر على السيطرة على اكثر من ثلاثة ارباع جغرافية سوريا .
اما في لبنان فقد وجد اصحاب المشروع ان لا طائل حقيقيا في الصراع العسكري , لأنه بدون احتلال الارض والسيطرة عليها لا يمكن ابعاد المقاومة عن التأثير المباشر , ولذا كان نحو الفتن الداخلية عبر الادوات غير الخافية , التي اخذت على عاتقها ايجاد صداع للفريق المعادي "لإسرائيل" , والعمل على تصدعات في المكونات اللبنانية .
اما بشأن حجر رحى الصراع في الصراع الا وهي فلسطين فان غزة وقطاعها حيث اسطورة المواجهة منذ ما يقرب عامين , لم يفت من عضد المقاومة وشعبها الابي المقاوم ,ولذلك يستعجل الكيان بلورة قرار عبر حكومة نتنياهو المتمادية في الاجرام لاحتلالها ,وهي جربت اكثر من مرة السيطرة الكاملة, و"عربات جدعون" شاهد, على مرارة الجيش الاسرائيلي اذ لم يفلح في الاخضاع رغم الابادة الجماعية امام اعين العالم اجمع , والتجويع والتعطيش ومنع الادوية , والان تعمل تقوم الخطة على حشد ما يقرب نصف مليون جندي ,لاحتلال مساحة نحو 80 كلم مربع اي بمعدل يصل الى خمسة الاف و400 جندي مع ضباطهم لكل كلم واحد، وهذا غير مسبوق في التاريخ العسكري , وقد قررت الحكومة منح وزير الحرب، صلاحية استدعاء حتى 430 ألف جندي من قوات الاحتياط، حتى تاريخ 30 تشرين الثاني المقبل، الى جانب قوات الخدمة الفعلية في إطار الاستعدادات لتوسيع نطاق القتال، والخطة تستهدف السيطرة الكاملة على مدينة غزة، ويتوقع أن تستغرق ستة أشهر على الأقل، لكن لدى الجيش اعتراضات متعددة مضافا الى ذلك الأكلاف البشرية غير المعروفة ما يشكل قلقا كبيرا لدى القيادة، واضافة الى ذلك فان كل الاقتصاديين الاسرائيليين يجمعون على أن احتلال كامل قطاع غزة سيكون ضربة جديدة للاقتصاد "الإسرائيلي"، بحيث يُتوقع أن يكلف القرار مبالغ ضخمة قد تتراوح بين 120 - 180 مليار شيكل سنويًا. يحمل القرار تكلفة ثقيلة جدًا على ميزانية الحكومة وسيؤثر اقتصاديًا على جميع القاطنين وعلى عشرات الآلاف من الشركات والأعمال في البلاد، وقد تؤدي هذه العوامل إلى تخفيض كبير في ميزانية الدولة هذا العام، وإلى فرض ضرائب جديدة في بداية عام 2026. كما يجب أخذ احتمال تراجع إضافي في تصنيف الائتمان "الإسرائيلي" من قبل شركات التصنيف العالمية الكبرى بعين الاعتبار، وهو احتمال جدي.
وعليه، المحللون العسكريون "الإسرائيليون" يشككون في خروج قرار الكابينيت السياسي – الأمني،، لاحتلال قطاع غزة كله إلى حيز التنفيذ، وحذروا من عواقب ردود الفعل الدولية خصوصاً إعلان المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، عن وقف تصدير أسلحة إلى إسرائيل.
اما الجبهة الايرانية , فان نتائج حرب الايام ال12 ماثلة امام القيادة الاسرائيلية والاميركية , وكذلك جبهة اليمن التي يمكن ان تكون فعاليتها مركزية في كسر شوكة المشروع في اي حرب مقبلة والارجح انها مقبلة.
لقد كان الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) والملقب بـ"الغوريلا"، هو من يدفع باتجاه شن هجوم على إيران، وهي صلاحيات منحها له البنتاغون، وهو الذي اقنع ترامب بالعدوان كما اقنع لجنة الكونغرس الأميركي، قائلا إن "إيران انتهزت فرصة تحدث مرة واحدة في الجيل لإعادة تشكيل المنطقة لصالحها"، ويمكن إيقاف ذلك من خلال "شراكة عميقة" بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج، كما ان صحيفة "جيروزاليم بوست" نقلت حينها عن مصادر عسكرية، قولها إن الجيش الإسرائيلي يسعى لتنفيذ الضربة على إيران قبل تقاعد كوريلا في تموز ، إدراكا لأهميته كحليف رئيسي لإسرائيل داخل وزارة الدفاع الأميركية.
كوريلا الذي كان يدير الأمور من وراء الستار، خاصة بعد تصريحات ترامب بأنه يفكر في توجيه ضربة مباشرة ضد إيران، وإرسال البنتاغون لحاملات طائرات وتشكيلات من طائرات التزود بالوقود إلى منطقة الشرق الأوسط خرج الان من الخدمة .
لقد تبلورت رؤى جديد للصراع ,ويبدو ان المقاومة قد تعافت من جراحها , رغم عمق الجراح , كما ان الوعي العام بدأ يخرج من تأثيرات البروباغندا التي تطرح سلاما غير مشروط مع المحتل , مع التفريط اللامحدود بالسيادة اللبنانية , ومنح العدو شرعية القتل بلا حدود، ولن يطول الزمن حتى يشهد العالم لوحة جديدة في الصراع .