أقلام الثبات
ليس الخلاف على حصر السلاح بيد الدولة، بل على ورقة أميركية نحفظها عن ظهر قلب "للتسميع" بالعبرية أو الإنجليزية أمام طوماس باراك أو سواه، ولا حاجة برأي البعض من أهل الحكم لاستراتيجية دفاعية، رغم وابل العدوان الذي يقتل شبابنا كل يوم، وينتهك كرامتنا كل يوم على مرأى من طبقة سياسية لا أفق أمامها سوى قول "النعم"، على وقع تصفيق بعض "صبيان السفارات"، والصمت الصابر على مضض للمقاومة وحلفائها، كي لا يتحول الصراع من لبناني - "إسرائيلي"، إلى لبناني - لبناني، سيما أن بعض الشوارع الجماهيرية في حالة غليان، ويزيد من نارها الوضع الطائفي السوري، الذي دخل مرحلة اللاعودة عن افتراق الطوائف ضمن فيدراليات.
الكل في لبنان يُدرك أن حاضنة المقاومة في الجنوب لن تحضن فكرة العدوان طويلاً، سواء كانت بيئة هذه المقاومة بسلاح أو بدونه، ولديها وسائلها في دحره، لكن ماذا عن باقي الجبهات التي لا تتواجد فيها حاضنة المقاومة، وتحكمها العقليات العشائرية أو المذهبية أو الميليشيوية، خصوصاً على الجبهة الشمالية المشرَّعة للغرباء من التكفيريين، والجبهة الشرقية من شمالها إلى وسطها حيث بعض العشائر العربية التي ستواجه أخوتها القادمين من الشرق ببنادق تطلق إلى الخلف.
ننطلق على سبيل المثال لا الحصر من عكار، التي هي "عرين" النائب وليد البعريني، الذي "يزأر" على سلاح المقاومة ونسأله: هل للجيش ظهير آمن في عكار لمواجهة التكفيريين القادمين من سوريا، سيما أن بعضهم ربما دخل الى سهل عكار؟ كما نسأل النائب أشرف ريفي؛ بصفته أشرس خصوم المقاومة: هل طرابلس التي تُشغِل الجيش اللبناني على مدار الأيام بالاعتداءات على حواجزه منذ سنوات، ستقف وراء هذا الجيش بوجه من يعتبرون طرابلس تعويضاً لهم عن الجولان؟ وهل في عرسال التي احتضنت الإرهاب سابقاً مَن يقف بوجه الإرهاب القادم؟ وهل البلدات المسيحية في بعلبك محميَّة من الإبادة الآتية، إذا لم يطلع إليها النائب السابق أنطوان زهرة ليستعرض ويسهر مع الشباب بهدف حمايتها عبر "كلاشن" يتدلى على كرشه المنفوخ من خبز البربارة، ويعاونه النائب سامي الجميل عبر الناضور من تحت صنوبرات بكفيا؟
وصلت الأمور بالمقاومة إلى إعلان أنها عند أي عدوان على لبنان ستكون معنية فقط بالدفاع عن مناطق بيئتها المباشرة دون سواها، وهذا التغيير في إعلام هذه المقاومة يُثبت أن شرائحَ من اللبنانيين لا يستحقون إهداء المقاومة نصرها لهم عامي 2000 و2006، مادام سلاحها بات في نظر البعض هو الوحيد الذي يعيق قيام الدولة، وتجاهل الفساد الذي ينخر مؤسساتها وإداراتها، والمحاصصة الدنيئة التي تحكمها من أعلى الهرم إلى القاعدة.
قد تكون من "حسنات" حصر السلاح بيد الدولة، أن الجدل البيزنطي المُملّ قد انتقل دستورياً وسياسياً وعملياً إلى قيادة الجيش اللبناني، المتفاهمة بشكل مقبول جداً مع قيادة المقاومة، ولكن واقع الأرض سيكون صادماً في التنفيذ لعدة اعتبارات، أهمها أن الجيش يحتاج إلى بيئة حاضنة كالتي كانت للمقاومة، وما زالت، لا بل الجيش يحتاج إلى بيئة حاضنة واسعة جغرافياً وشعبياً كونه يتولى إلى جانب مهامه الدفاعية الحدودية، مهام قوى الأمن الداخلي، خصوصاً بعد العام 2019، حيث تعاني هذه القوى من نقص في عديدها الموزع على حماية السفارات والشخصيات من جهة، وكون الجيش مقبول أكثر منها على المستوى الشعبي من جهة أخرى.
هي كرة النار، قررت الحكومة - بصرف النظر عن صحة قرارها - أن ترميها في مرمى الجيش، وهو قادر ليس على صدِّها عشوائياً، بل على احتضانها لأنه أهل للثقة، والبيئة الحاضنة للمقاومة واثقة من حسن إدارة قيادة الجيش، وهي مطمئنة لطريقة المعالجة، بمعنى، احتضان الجيش لسلاح المقاومة وفق تفاهمات موجودة أصلاً على مستوى قيادتي الجيش والمقاومة، دون الحاجة إلى مجالسة خصوم هذه المقاومة على طاولة الكباش غير المجدي و"العلك" معهم حول الاستراتيجية الدفاعية، لأن هذه الاستراتيجية باتت موجودة خارج البازارات السياسية والإعلامية، مع عودة الروح إلى المعادلة الثلاثية للجيش والشعب والمقاومة ".دون طبل وزمر"، ووجوب الانتباه إلى أمر هام؛ أن هذا الجيش الذي ينتشر بين الناس في المدن والبلدات والقرى بات بحاجة إلى حاضنة شعبية لبنانية مجتمعة حوله، وأن الخطأ "الشوارعي" معه في أية منطقة كانت يستوجب الحزم والحسم، لأن السلاح غير الشرعي منتشر على كافة الأراضي اللبنانية بأيدي ميليشيوية لبنانية وغير لبنانية، ولا علاقة لهذه المقاومة الحكيمة به لا من قريب ولا من بعيد.