أقلام الثبات
ما بين اتفاق 17 أيار 1983 وقرار نزع السلاح 2025 الأحادي الذي أصدرته "حكومة برّاك"، 42 عاماً من المقاومة والتضحيات والمعارك والانتفاضات التي انتهت بتحرير الجنوب وإسقاط اتفاق 17 أيار، وطرد قوات المارينز والمظليين الفرنسيين، وتقييد القوى السياسية اللبنانية العميلة والمتحالفة مع "إسرائيل"، والمُمثّلة الدائمة للمصالح "الإسرائيلية" في لبنان، والناطقة باسمها، حيث تمتلك "إسرائيل" من خلالها كتلة نيابية وفريقاً وزارياً ينقل مطالبها ويتبنى شروطها.
استطاعت أميركا و"إسرائيل" فرض اتفاق 17 أيار بسبب وجودهما العسكري واحتلال العاصمة بيروت ونصف لبنان ميدانياً، واحتلاله بالكامل سياسياً وحكومياً ونيابياً، وعدم وجود قوى مقاومة قادرة على التصدي، بعد نفي المقاومة الفلسطينية وانهيار الحركة الوطنية اللبنانية واستباحة الساحة من القوات اللبنانية والكتائب بدعم "إسرائيلي"، ولم يكن هناك من قوى داعمة للمقاومين في لبنان في بداياتهم سوى سوريا، والتحقت الجمهورية الإسلامية ميدانياً بعد الاجتياح.
استطاعت قوى المقاومة المولودة حديثاً، وبدون إمكانيات عسكرية، وتحت الاحتلال "الإسرائيلي" والبطش الأمني اللبناني والمتعدّد الجنسيات، ان تُسقط اتفاق 17 أيار بعد أقل من عام على توقيعه، وإنهاء عمل القوات المتعدّدة الجنسيات، والقضاء عليها .
يرتكب قادة التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" العربي الأخطاء مرة ثانية، ولم يستفيدوا من تجاربهم وخسارتهم بعد اجتياح 1982 الذي شرحه كلينتون بيلي؛ الخبير "الإسرائيلي" في شؤون الشيعة: "إن إسرائيل كانت تتصرف قبل الغزو كأنه لم يكن هناك وجود للشيعة قرب الحدود، وكان هناك افتراض إن كل العرب سواء... ولكن ما إن بدأ الشيعة يهاجمون قواتنا حتى استيقظت البلاد على حقيقة كونها تواجه شيئاً مختلفاً تماماً".. ومع ذلك تريد أميركا تعميم نهجها وأساليبها مع لبنان كما تتعامل مع بقية "العرب"، مما سيؤدي إلى فشل مشروعها عاجلاً أم آجلاً للأسباب التالية:
- عدم وجود نظام حكم ودولة في لبنان أو حاكم مطلق الصلاحية ،برتبة رئيس او ملك او أمير ،يملك صلاحيه إصدار القرار على المستوى العام، دون الخوف من أي تحرك شعبي، بعدما تم شطب مصطلح "الشعوب " في البلاد العربية، وبالتالي فأي قرار تأخذه السلطة السياسية هو قرار يُلزم من وقّعه والأهم أنها لا تستطيع تنفيذه بقدراتها الذاتية.
- عدم رغبة أميركا و"اسرائيل" بالغرق بالمستنقع والرمال اللبنانية بريّاً والشراكة الميدانية ، لنزع السلاح والاكتفاء ،بالضغوط السياسية والاقتصادية والقصف الجوي بعد تجربتهم في لبنان أعوام 1982 و2006 و2024 وتكليف السلطة وقواها الأمنية التي لا تملك القدرات العسكرية لذلك، والتي لا تضمن بقاء الجيش ومؤسساتها الأمنية "موحّدة"، وعجز القوى السياسية العميلة والتابعة عن تنفيذ هذا القرار، وإن أخطأت ستتعرّض لخسارات كبيرة واجتثاث زعاماتها.
- امتلاك قوى المقاومة للقدرات العسكرية والخبرات الميدانية التي لا تّقارن بما كانت تملكه بعد اجتياح 82، مع حضور شعبي واعٍ ومقاتل وشجاع، يمثل الدرع المعنوي والمادي وكاسحة الألغام المدنية أمام المقاومين دون إغفال العقيدة الدينية التي تحكم القرار السياسي والمقاوم للشيعة في لبنان ،الذين يعتبرون أن أحد الحلول للنجاة من الهزيمة او من معصية الاعتراف "بإسرائيل" والتطبيع معها هو القتال الكربلائي وقد احترفوه، وكانت حرب ال66 يوماً آخر المشاهد الكربلائية التي يمكن ان تتكرّر في الداخل ضد "لبنانيي إسرائيل" إذا اقتضت الحاجة، او ضد المحتلين .
إن مسارعة بعض المراهقين اللحديّين الجدد "والسذّج" للحرب لازالت مستمرة، لإصدار قرار "نزع السلاح" الخياني وغير الدستوري وتصفيقهم احتفالاً بخيانتهم هو مشهدٌ، سيتغيّر قريباً، سواء بالمعطى السياسي الدستوري او بواسطة الميدان العاقل والشجاع غير الجبان او المتردّد.
بعد اجتياح عام 82 اعتقلت "إسرائيل" آلاف الشباب وهجّرت أغلبهم ومارست السلطة أبشع توحشها وافلتت "اسرائيل" عصاباتها من اليمين المسيحي لارتكاب المجازر، ومع ذلك انتصرنا وانهزم المشروع الأميركي.
ندعو لتأسيس "جبهة مقاومة وطنية" تضم كل الأحزاب والشخصيات والهيئات التي قاومت، أو التي ترغب بالمقاومة، وعدم إبقاء المقاومة داخل الساحة الشيعية، وعلى القوى "اليسارية والقومية والإسلامية" الصامتة او المحايدة ان تبادر للانخراط في المقاومة الشاملة، لأنها مُستهدَفةٌ، وسيأتي عقابها إذا انهزمت المقاومة.
لا تيأسوا رغم كل الحصار والحقد والتشفّي ضدنا، ورغم سقوط سوريا وقتالنا وحيدين في الميدان، لكننا قادرون على الانتصار ثانية، بإذن الله سبحانه، وهذا هو الوعد الإلهي والسنن التاريخية بأن الاحتلال الى زوال والعملاء للهروب او الإعدام، وسيثبت المقاومون في الأرض... شهداء أو احياء..
المقاومة مازالت قادرة على إسقاط قرار نزع السلاح _ د. نسيب حطيط
السبت 09 آب , 2025 11:27 توقيت بيروت
أقلام الثبات

