أقلام الثبات
ليست مسألة تسليم سلاح المقاومة للجيش اللبناني بالبساطة التي يعتقدها البعض، سواء من الذين يتفيؤون تحت صنوبرات بكفيا أم تحت سنديانات معراب.
قسمٌ منهم يرى الوضع اللبناني عبر "الناضور"، والقسم الآخر يحمي لبنان كما الطبل الفارغ في حلقة "الدبكة"، وما يجمع هذا "البعض" على ذاك "البعض" ليس قصر النظر، بل بالعكس، بُعد النظر الى حيث "الأخضر الأميركي" الذي أعمى البصر والبصيرة عن مخيمات اللاجئين والنازحين وعن أسلحة الغرباء، وأولاً وأخيراً عن الأطراف الجنوبية والشرقية والشمالية للوطن، حيث تتمترس الذئاب بمختلف أنواعها، في ظروف هي الأخطر على المستوى الطائفي الإقليمي، والمقاومة تدرك أكثر من سواها ما ينتظر أهلنا بمختلف طوائفهم من مخاطر.
وبصرف النظر عن "قميص عثمان" المُبتكرة حديثاً من خصوم المقاومة، أن سلاح هذه المقاومة لم يعُد رادعاً للعدوان، نسأل: هل السلاح الفلسطيني المُتقادِم في مخيمات لبنان ما زال قادراً على القيام بدوره في هذا الشأن؟ وهل سلاح مخيمات النازحين السوريين يُترك أمره لما بعد نزع السلاح من مقاومة حررت لبنان وحَمَت الأراضي اللبنانية من الاجتياح والاحتلال؟
المقاومة وافقت على تطبيق القرار 1701 والتزمت به منذ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، رغم استمرار العدوان "الإسرائيلي" على لبنان عبر الاغتيال والتدمير والتهجير، واستباحة كامل الأجواء اللبنانية لقصف أهداف تعتبرها "إسرائيل" تهديداً لأمنها، في الوقت الذي كانت فيه المقاومة تلتزم الصبر وتعطي مهلة تلو المهلة للدولة اللبنانية، أمام مرأى اللجنة الدولية التي يُفترض بها وقف الانتهاكات والجرائم، التي استمرت معها ولا زالت أبواق خصوم المقاومة وعملاء السفارات في استعجال تسليم سلاح المقاومة إلى الدولة.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه الأمور بعد مقررات مجلس الوزراء يوم الثلاثاء في الخامس من آب، حول بند حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، دون البحث باستراتيجية دفاعية، فإن "إسرائيل" نجحت ومعها أميركا عبر "ثعالب السفارات" سواء كانوا من سياسييّ الفئة الأولى، أو إعلامييّ المرحلة الابتدائية، في تحويل الاستراتيجية الدفاعية إلى صراع داخلي لبناني، رغم أن هذه الاستراتيجية ببنودها الأساسية قد مرّ عليها الزمن بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وبعد سقوط سورية بأيدي الإرهابيين والتكفيريين الذين شرعوا الأبواب للتركي من الشمال والصهيوني من الجنوب، وبدأت خارطة الشرق الأوسط الجديد ترتسم بدءاً من "ممر داود"، الذي يخترق سورية من فلسطين المحتلة وصولاً إلى العراق ومنه الى الخليج، وإلى تركيا ومنها إلى أبواب أوروبا، ووجود التكفيريين على رأس السلطة في سورية، وما ارتكبوه من مجازر طائفية بحق العلويين في الساحل وبحق الدروز في السويداء، فإن ارتكاباتهم التي يهددون بها على الحدود مع لبنان هي جدية، ومحافظة حمص على الحدود اللبنانية مساحتها وحدها أربعة أضعاف مساحة لبنان وهي مرتع لهؤلاء الذئاب التكفيريين.
وإذا كانت الإستراتيجية الدفاعية في لبنان قد طرأت عليها مستجدات، إن من جهة الجنوب حيث العدو ما زال يحتل النقاط الخمس، والعشرات من القرى الحدودية مدمرة وممنوع إسرائيلياً إعادة إعمارها كما صرَّح مؤخراً وزير المالية العنصري بتسلئيل سموتريتش، وفي المقابل فإن مستعمرة المطلة الصهيونية ما زالت شبه خالية من السكان الذين يترددون بالعودة إليها، بما يعني أن الحل ليس بطروحات طوماس باراك المنحازة إلى "إسرائيل"، بل بتطبيق القرار 1701 بحذافيره من الجانب "الإسرائيلي" وتزامن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية مع الانسحاب "الإسرائيلي" ووقف الاعتداءات والخروقات نهائياً.
ونختم مع ما ورد في كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، التي تزامنت مع انعقاد جلسة الحكومة اللبنانية وسبقت مقرراتها:
لا تنفيذ من المقاومة لأية خطوة تحت الاحتلال واستمرار العدوان، ونضيف من جهتنا أن الشعب اللبناني والمقاومة خلف الجيش اللبناني الوطني ولا خلاف على دور هذا الجيش، لكن ما لا يدركه البعض من اللبنانيين، أن الجيش ما زال ممنوعاً عليه الحصول على أسلحة تهدد "إسرائيل"، وحتى أسلحة المقاومة التي قد يحصل عليها، ممنوع عليه الاحتفاظ بها بل تدميرها تحت عنوان "تفجير أسلحة غير منفجرة"، وبالتالي يُترك الحُكم للشعب اللبناني على مَن يريدون تدمير قدرات لبنان الدفاعية لنيل رضا "إسرائيل" علماً بأنهم يدركون أنها لن ترضى.