لن تُرحِّلوا المقاومة كما رَحّلتم الفلسطينيين عام 1982 _ د. نسيب حطيط

الأحد 03 آب , 2025 10:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 قبل 43 عاماً استطاع التحالف الثلاثي الأميركي - "الإسرائيلي" القوات اللبنانية، وبغطاء عربي، ترحيل المقاومين الفلسطينيين في آب 1982 بالبواخر والشاحنات خارج لبنان ،حيث تكامل الاجتياح "الاسرائيلي" العسكري مع عملائه والدبلوماسية الأميركية بقيادة فيليب حبيب؛ اللبناني الأصل الذي عَمل لتحقيق المصالح الأمريكية - "الإسرائيلية" ،كما هو الحال مع المبعوث الجديد توم برّاك؛ اللبناني الأصل.
في عام1982سقطت بيروت عسكرياً، وسقطت بالاجتياح السياسي الأميركي، وتم حصار المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في "بيروت الغربية"، ووُضعت المقاومة الفلسطينية بين خيارين؛ إما تسليم السلاح والترحيل مع ضمانه أميركية لحماية المدنيين الفلسطينيين في المخيمات، وإما الموت قتلاً وجوعاً وعطشاً.
بدأت النصائح للفلسطينيين والتهويل عليهم وترهيبهم، لإقناعهم بأن لا أفق للقتال والمواجهة، وأن العقلانية والسلامة تفرضان تسليم السلاح والخروج بالأسلحة الفردية بشكل رمزي، وصدّق الفلسطينيون الضمانات ورحلوا، ولم يكادوا يغادرون حتى تم الغدر بهم، وبدأت مجازر صبرا وشاتيلا ببنادق لبنانية و"إسرائيلية"، وبرعاية أمريكية.
بعد 43 عاماً، وفي نفس الضغوطات، وبشكل مقصود، ولرمزية التوقيت (شهر آب) تحاول أميركا و"إسرائيل" استكمال مشروعهما وترحيل المقاومة من التاريخ السياسي اللبناني، ومن الذاكرة، عقاباً لها على صمودها طوال 43 عاماً ومنعها الاستيلاء على لبنان سياسياً، وتقوم بترتيبات أمنية لضمان أمن "إسرائيل" وأمن السفارة الأمريكية، وتوقيع اتفاق "سلام وتطبيع"، مع جائزه ترضية لدولة خليجية ،للثأر من المقاومة التي تحمّلها مسؤوليه هزيمتها في اليمن.
تحقيق هذه الأهداف يستوجب إعدام وشطب المقاومة اللبنانية من الواقع اللبناني؛ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وحتى دينياً بواسطة "الذراع الأموية" في سوريا، و"مفتاح" هذه الأهداف نزع السلاح، طواعية او بالإكراه، مع صراحة أميركية، خبيثة ووقحة ،بعدم تقديم أي ضمانات تُقيّد الوحش "الإسرائيلي".
لقد حقّق التحالف الأميركي بعض أهدافه، فاستطاع تنصيب نظام سياسي ينفّذ ما يُملى عليه، ليس لقناعته بالمشروع، كما كان الحال مع آل الجميّل، بل بالإكراه، واستطاع العدو "الاسرائيلي" احتلال بيروت وكل لبنان   من الجو، لعجزه عن احتلاله برّاً بسبب المقاومة، مع فارق محزن بين العامين 1982 و2025 يتمثّل بتزايد أعداد خصوم وأعداء المقاومة، حيث تتحالف القوات اللبنانية مع المنقلبين على المقاومة من أهل الغدر والمصالح والخائفين والمسترزقين، حتى صارت المقاومة وطائفتها مُحاصرين من الداخل والخارج، و"الكل" يطالب بثأره منها ،بمفعول رجعي، وتنصّل بعضهم من تأييده لحرب "الإسناد" ،فأيدها عندما اعتقد أنها "رابحة"، وأدانها  وتبرأ منها عندما شعر أنها تصيبه بالخسارة.
يقع الأميركيون وحلفاؤهم من العرب واللبنانيين بخطأ التشخيص والحسابات والاعتقاد بسهولة القضاء على المقاومة؛ كما فعلوا مع المقاومة الفلسطينية في عام 1982، ولا يعرفون أن الفارق كبير ولا يمكن المقارنة بينهما، فالمقاومون اللبنانيون هم أبناء الأرض وأصحابها وليسوا لاجئين ولا نازحين، وليسوا ضعفاء ولا تجاراً ولا مقاولين، وليسوا ضعفاء حتى يسلّموا سلاحهم ويسهّلوا ارتكاب المجازر بأهلهم او نفي قياداتهم الى العراق وإيران، أو رميهم في السجون اللبنانية.
الغباء والغرور الأميركي - "الإسرائيلي" والحقد اللبناني والعربي لم يتركوا للمقاومة وأهلها سوى خيار الصمود والقتال ،بعدما تم حصارهم بين خيارين، إما القتل انبطاحاً مكتوفي الأيدي ومعصوبي العينين منزوعي السلاح، او القتل وقوفاً بكرامة حاملين للسلاح ، ولم يُعطهم الآخرون خياراً ثالثاً يضمن أمنهم وكرامتهم.
صحيحٌ أننا  لسنا بوضع مريح وآمن بعد "الزلزال السوري" والتغيرات الاستراتيجية في المنطقة  وسيطرة القرار الأميركي - "الإسرائيلي" على المنطقة، ورغم أننا نقاتل وحدنا في الميدان ولا أمل ان ينصرنا أو يقاتل معنا أحد، لكن لا خيار لنا سوى الصبر والصمود والقتال الحكيم والشجاع والعاقل، بعيداً عن المغامرة والانفعال، وليست الأبواب مغلقة في وجوهنا او الهزيمة واقعة لا محالة، فإن الله سبحانه وتعالى معنا، ونحن الآن في وضع أفضل مما كنا عليه عام1982،فلدينا ما يكفي للدفاع عن أنفسنا وإصابة العدو وأهل الغدر من اللبنانيين وفق معادله واضحة، لا نظلم فيها أحداً، فأنتم من سمح للفلسطينيين بالوجود المسلّح في الجنوب، وأنتم من استدعيتم "إسرائيل" عام 1982، وانتم من أشعلتم الحرب الأهلية وورّطتم لبنان، ونشرتم فيه الخراب والتهجير،  وتريدون تحميلنا ثمن خطاياكم وعمالتكم وفسادكم..
 إما أن يكون لبنان لنا جميعاً ويكون الأمن لنا جميعاً، وإما لن يكون لأحد، وإلا فاتركوا الحرب بيننا و"إسرائيل" وأميركا ولا تشاركوا في حصارنا وقتلنا حتى لا نتعامل معكم كشركاء وعملاء للعدو؛ كما عاملنا "جيش لحد".
لسنا خائفين حتى نستسلم.. ولسنا مغامرين حتى ننتحر.
 حسبنا الله ونعم الوكيل.. {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذألك أَمْراً}.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل