الصمود الفلسطيني أنتج وعياً دولياً.. وأسقط مدن الترحيل والتشريد _ يونس عودة

الثلاثاء 29 تموز , 2025 09:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بات من المحسوم ان اشلاء الشهداء ودماء الجرحى والامعاء الخاوية في حرب الابادة والتجويع والتعطيش , وصمود المقاومين وضرباتهم الموجعة لجيش الاحتلال، ولا سيما نخبته، كل يوم , صنعت إفشالاً جديداً لمشروع تهجير الشعب الفلسطيني، رغم السبات العربي الموجع.

لقد اقر الاحتلال بان مشروع تهجير الفلسطينيين الى ما اسماه "المدينة الانسانية" اولاً، ومن ثم اعادة تشريدهم، قد سقط، وبالتالي انتصر الدم والتجويع وحرمان الدواء والحصار القاتل , على أعتى ادوات القتل والتدمير .

نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت", عن مصدر أمني "إسرائيلي" رفيع أن الخطة "الإسرائيلية" لإقامة "مدينة إنسانية" مزعومة، تشكل معسكرا لتجميع مئات آلاف الغزيين فيه، تمهيدا لطردهم من قطاع غزة، انهارت وتوقف العمل عليها، في أعقاب تعميق حرب الإبادة والتجويع والانتقادات والضغوط الدولية في أعقابها، وان هذه الخطة "لا يوجد قرار حول دفعها قدما ولا توجد خطة بديلة أيضا. كما أن المستوى السياسي كان متأكدا من أنه يتجه إلى صفقة مخطوفين تشمل انسحابات من محاور تُقطّع جنوب القطاع، ولذلك يبدو أنه تراجع عن هذه الخطوة، وتم وضعها جانبا في هذه الأثناء".

بلا شك، الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني الذي يرفد مقاومته بسبل الاصرار على اتفاق مشرف على مستوى المعاناة , حرك ضمائر شعوب في العالم ولا سيما في دول اوروبية انظمتها متواطئة مع المحتل الاجرامي، وباتت الاحتجاجات يومية اكان في الجامعات او في الشوارع, الامر الذي ساهم في  كشف مستوى الاجرام غير المسبوق وحقيقة الانظمة الشريكة بصمتها او تغطيتها , ما دفع ايضا الى محاولات النخب "الاسرائيلية" الى المسارعة للتعبير بان صورة الكيان باتت دموية حتى في الدول الصديقة، سيما انه "في الجيش الإسرائيلي فوجئوا في الأسابيع الأخيرة باكتشاف أن الحكومات الغربية، وبضمنها صديقات إسرائيل، فضلت تصديق وزارة الصحة في غزة وليس الجانب الإسرائيلي". ونقل عن المصدر الأمني قوله إنه "لحق بنا ضرر هائل، والمشكلة هي أن معظم القرارات عندنا تتخذ في الدقيقة التسعين وبشكل متسرع، بدلا من المبادرة لعمليات كهذه والتخطيط لها مسبقا، وإقناع من ينبغي إقناعه في العالم ومنع أزمة كهذه ضد إسرائيل".

في الواقع الذي تشكل من التضحيات الجسام ان العديد من الدول ترفض او تطرد اي مشاركات "اسرائيلية" لو كانت على مستوى أكاديمي , باعتبار ان الأكاديميين شركاء في الجرائم المرتكبة مثل النخب التي تساهم في صنع القرارات , وهم الذين قدموا صورة عنوانها اسرائيل الديمقراطية بأبعاد انسانية، ولو مزيفة , وطالما غشوا العالم بان الفلسطيني هو المعتدي على "دولة اسرائيل" وامنها , وهي لا تمارس الاحتلال الغاشم ضد شعب قهرته السياسة الدولية بما فيها العربية .

لقد وقع 341 أكاديميًا وأستاذًا بارزًا في الجامعات الإسرائيلية رسالة دعوا فيها إلى وضع "حدود أخلاقية للعمليات العسكرية في غزة"، وهو اعتراف واضح بانعدام اخلاقية جيشهم , وحكومتهم , وطالبوا بوقف إطلاق النار على المدنيين والسماح الفوري بإدخال الغذاء والمياه والمساعدات الطبية، في ظل ما وصفوه بـ"انهيار إنساني خطير"، في إطار حرب الإبادة. 

  لقد اقر الأكاديميون بان "الوضع الإنساني في غزة بلغ مستوى خطيرًا من الانحدار. وان استمرار هذا المسار سيلحق أذى لا يمكن إصلاحه، ليس فقط بسكان القطاع، بل بقيمنا وبمستقبل المجتمع الإسرائيلي. هذه ندوب أخلاقية ونفسية ستلازم الأجيال القادمة".  

من الطبيعي ان لا تمحى كل الجرائم الاسرائيلية التي يجاهر العدو بارتكابها من الذاكرة, لا بل باتت تشكل حركة وعي عالمي ازاء التكوين الاجرامي لدولة الاحتلال ما جعل دولا مثل هولندا وهي من أكثر الدول الصديقة للكيان المغتصب للحق والارض , ان ترفع البطاقة الحمراء امام جيش المستوطنين وقادته العسكريين والسياسيين، بسبب اجرامهم غير المسبوق في التاريخ.
ان الحركة الدولية وسط التملق العربي لأميركا و"اسرائيل" , الا من بعض بيانات رفع العتب الخجولة تركت تأثيراتها على الصحافة "الاسرائيلية" حتى ان المحلل السياسي في الصحيفة؛ ناحوم برنياع،  يقول إنه "في قيادة الجيش الإسرائيلي علموا أن أهداف الحرب غير قابلة للتحقيق، ليس في إطار زمني يتلاءم مع التوقعات، ولا بثمن معقول ولا في الوقت الذي يحتجز فيه عشرات المخطوفين"، لكن رغم ذلك شن الجيش "الإسرائيلي" حرب الإبادة على القطاع.

ليس من المشكوك فيه ابدا, ان مراكز البحث "الاسرائيلية" هي جزء اساسي في حرب الابادة , لكن بعد ان افتضحت حقيقة تكوين الكيان المتمادي في الاجرام، عمد غالبيتها الى ابتكار ممجوج لتبيض الاجرام من خلال توجيه رسائل الى المستوى السياسي ولا سيما كبير المجرمين بنيامين نتنياهو , هكذا فعل كل من رئيس معهد وايزمان، بروفيسور ألون حين؛ رئيس الجامعة العبرية، بروفيسور آشير كوهين؛ رئيس التخنيون، بروفيسور أوري سيفان؛ رئيس جامعة تل أبيب، بروفيسور أريئيل بورات؛ ورئيس الجامعة المفتوحة، بروفيسور ليو كوري.

هؤلاء كتبوا في رسالتهم: "نشاهد مصدومين المشاهد التي تأتي من قطاع غزة، وبينهم الأطفال، الذين يموتون يوميا بسبب الجوع والمرض. وتحرير المخطوفين وتقليص إصابة جنودنا هي أهداف سامية، لكننا كشعب كان ضحية المحرقة الرهيبة في أوروبا، ملقى علينا واجب خاص بالعمل بكافة الوسائل المتوفرة لدينا كي نمنع ونمتنع عن مس وحشي وبدون تمييز بالرجال والنساء والأطفال الأبرياء"، وأنهم "مذعورون من أقوال وزراء وأعضاء كنيست الذين يشجعون الدمار المتعمد لقطاع غزة، وإبعاد السكان المدنيين عنه. ونتوقع تنديدا واضحا وقاطعا من جانبك، ومن جانب الحكومة، لهذه الأقوال المتشددة، إذا إن هذه أقوال غير أخلاقية أبدا لارتكاب أفعال يرى خبراء قانون كبار في البلاد والعالم أنها تشكل جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية".

ان الشريك الاكبر في الجرائم "الاسرائيلية" هو الولايات المتحدة دوما، واكثر ما تتمثل الان بالرئيس دونالد  ترامب الذي قال قبل ايام بإنه لا يعتقد بأن هناك مجاعة في قطاع غزه وان حركة حماس تسرق المساعدات ,رغم شهادات عشرات المنظمات الدولية بما فيها الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي عن  تفشي المجاعة في غزة، ومنع وصول الادوية كما تتناقض مع ما خلصت إليه تحقيقات أميركية وإسرائيلية بأنه لا توجد أدلة على أن حركة حماس تستولي على المساعدات، ورغم كل المشاهد التي باتت شواهد على الجوع والاجرام وقتل المجوعين وهم يتراكضون لنيل كوب ممزوج بعدس وماء.

في اخر تصريحاته يقول ترامب انه يرى "مؤشرات حقيقية " على وجود مجاعة في غزة و"وقف إطلاق النار في غزة ممكن ونريد تحقيقه. و"أخبرت نتنياهو أن عليه اعتماد مقاربة أخرى بشأن قطاع غزة. الرهائن المتبقون سيكون إخراجهم صعبا .

ان تصريحات ترامب المتناقضة , باتت مادة للسخرية السوداء , ولا يمكن الركون اليها لان العالم كله على يقين , بان وقف الابادة والتجويع , ليست بالتصريح الاحتوائي , وانما بإعطاء الامر بوقف الحرب المذخرة اميركيا بالعتاد والسياسة وتلك هي مقومات استمرار الحرب , وبحسب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل أن "نتنياهو تجاهل، منذ بداية العام الحالي، فرص إنهاء الحرب، لأن مصير ائتلافه كان أهم. والآن يصطنع رئيس الحكومة حلولا تحت ضغط عالمي متصاعد. ومن الجائز أن الوقت بات متأخرا. فحماس ستتحصن في مواقفها بشكل أعمق، إثر دعم دولي للفلسطينيين،

ان الصمود الفلسطيني هو محور سقوط المشروع الاميركي - "الاسرائيلي"، والذي بانت بدايته بالإقلاع عن فكرة مدينة الترحيل، فالتشريد .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل