زياد الرحباني بين المسرح والموسيقى: ترجمة لبنانية لرؤية غرامشي ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 28 تموز , 2025 09:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

برحيل زياد الرحباني يخسر لبنان والعالم العربي، ليس فقط موسيقياً عبقرياً، بل أيضاً مناضلاً أممياً استخدم الفن كأداة للتعبير عن قضايا التحرر، والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الهيمنة. وبالإضافة الى التأليف الموسيقي، جسّد الرحباني هموم اللبنانيين، وانتقد الطائفية اللبنانية والحرب والسياسيين عبر المسرح الساخر، الذي حمل خطاباً نقدياً يدعو إلى مقاومة القهر الاجتماعي والسياسي.

تمثّل تجربة زياد الرحباني نموذجاً فريداً لفكرة "المقاومة الثقافية"، حيث حوّل المسرح والموسيقى إلى سلاح فكري ضد القمع والفساد، وذلك بما يشبه ما طرحه المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي حول دور "المثقف العضوي" في مواجهة الهيمنة الثقافية. 
اعتبر غرامشي أن الهيمنة لا تُمارَس فقط من خلال القوة المادية، بل أيضاً عبر السيطرة على الثقافة والوعي الجمعي، وأن المقاومة الفاعلة تقتضي إنتاج خطاب ثقافي بديل يواجه خطاب السلطة.

في مسرحياته، يعكس زياد واقع الطبقات الفقيرة والوسطى في لبنان، ويستخدم لغة الشارع اللبناني لإيصال رسائل قوية عن مقاومة الاستغلال والظلم الاجتماعي، ويستشرف واقع اللبنانيين قبل عقود طوال.

في مسرحية "فيلم أميركي طويل"، يُبرز الرحباني الصراع بين الشرق والغرب، وكيف تُسقط القوى الكبرى مشاريعها على المجتمعات الضعيفة. أما في "بالنسبة لبكرا شو؟"، فيصور رحلة شخصيات بسيطة تبحث عن معنى للحياة وسط الفقر والحرمان، وفي الجمع بين هاتين المسرحيتين، تبرز الإشارات الى أن المقاومة ليست فقط مواجهة العدو الخارجي، بل أيضاً النضال ضد الظلم الداخلي.

وتستشرف مسرحية "بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، الواقع اللبناني الذي نعيشه اليوم، بالرغم من أنها عرضت بعد انتهاء الحرب الأهلية. تصف المسرحية مسألة استمرار انقطاع الكهرباء في لبنان، والنفاق الذي يمارسه السياسيون "الذين يدقون ناقوس الخطر" باستمرار، ويلجؤون "للاستدانة لتسديد الدين"، ويتحدث عن الوجود التركي في سوريا! ويصف حال الدولة اللبنانية عبر "زياد الضابط" الذي يريد أن يفرض الأمن عبر مزيج من التسويات والتهديد بدون القدرة على "فرض يد من حديد"، ومن مهمته الاهتمام بالأجانب الذين يصوّرون فيلماً عن الواقع اللبناني.

أما أغانيه، فابتعد فيها عن التقليد المعروف بمخاطبة المحبوب، لينقل الواقع اللبناني، ومنها "أنا مش كافر بس الجوع كافر"، وأغنية "شو هالأيام اللي وصلنا لها" والتي تعكس نقداً سياسياً لحالة الاثراء غير المشروع التي تسود المجتمع اللبناني بدون مساءلة.

بالفعل، شكّل زياد الرحباني مدرسة في المقاومة الثقافية والفنية الملتزمة، التي يمكن أن تصبح أداة لإيقاظ الوعي الشعبي ومواجهة الطائفية والاقطاع السياسي والمالي والديني الذي سيطر على لبنان واستفاد من الخارج ليفرض استقواءً على الآخرين داخله. ويمكن النظر إلى زياد الرحباني بوصفه مثقفاً عضوياً، قدّم عبر فنه رؤية نقدية تتحدى السائد السياسي والاجتماعي، وأعاد تشكيل وعي الجمهور اللبناني حول قضاياه المحقة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل