أقلام الثبات
تميّزت المقاومة اللبنانية وسلاحها طوال ثلاثة عقود ،بالقتال على جبهتين ،جبهة أساسية وهي الداخل اللبناني لمقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"، وعلى مرحلتين ، أولاهما مرحلة تحرير الأرض التي انتهت عام 2000، والمرحلة الثانية: مرحلة الدفاع وتثبيت قواعد الاشتباك وتوازن الردع. أما الجبهة الأخرى، فكانت جبهة اقليمية لامست العالمية "البوسنة وغيرها"، حيث تطوّعت المقاومة لتحمّل مسؤولية مركزية ،لتسليح وتدريب ودعم المقاومة الفلسطينية المسلّحة في الداخل، خصوصاً في غزة، واحتضنت النواة الأولى لتأسيس حركه "حماس" من خلال استقبالها للمبعدين الى "مرج الزهور" في لبنان، وكانت صلة الوصل بين الجمهورية الإسلامية وقوى المقاومة الفلسطينية ،ثم قاتلت في سوريا، لحمايتها من السقوط بيد أميركا و"اسرائيل" وأدواتهم من العرب وتركيا -وقد سقطت سوريا بعد شهر واحد من الضربات التي تلقتها المقاومة - وساهمت في مقاتلة "داعش" في العراق من خلال التدريب ونقل خبراتها الى الحشد الشعبي عند تأسيسه ولم تقصّر بمساعدة "أنصار الله" في اليمن مع بداية ثورتهم وحربهم الدفاعية، وهذا ما اثار السعودية ضدها وجعلتها الهدف الأول في مشروع "الثأر السعودي"، وبنى جبالاً من الحقد والثأر لا زالت قائمة، ولن تزول بعد عقود.
المقاومة اللبنانية، وبعد الضربات القاسية التي تلقتها في حرب الإسناد لغزة، سارعت لإسناد غزة وحيدة ،أما الآن وبعد استلام حلفاء "حماس" للسلطة في سوريا حيث صرّح خالد مشعل بأن "تحرير سوريا مبشّرٌ بتحرير فلسطين والقدس"، وبعدما صرّحت " حماس" بأنها تضع كل إمكانياتها البشرية وقدراتها في سوريا بتصرف نظام الجولاني، ما يعني عدم حاجتها لأي اسناد من لبنان، وبعد تشكيل النسخة الثالثة "من جبهة النصرة"؛ "جبهة عشائر الشام" ، بعد النسخة الثانية "جبهة تحرير الشام"، وبعد تهديد المبعوث الأميركي برّاك بضم لبنان الى سوريا في حال لم تسلّم المقاومة سلاحها الذي يهدّد "اسرائيل"، وبعدما تبيّن ان الأخوة السنّة يملكون العديد والعتاد الذي يفوق عشرات أضعاف ما تملكه المقاومة، فإن المقاومة اللبنانية أمام تغيير استراتيجي في مهامها وميادين قتالها ووظيفة سلاحها وواجبات مقاوميها وفق التالي:
سقطت مسؤوليتها عن إسناد غزة، وتحرّرت من عبء مهامها الإقليمية، وخصوصاً الساحة الفلسطينية بالمعطى العسكري، بكل أشكاله، بعدما صارت "جبهة عشائر الشام" وحليفتها الثورة السورية على حدود فلسطين ، لاسيما ان المقاومة اللبنانية لم تُشفَ من جراحها ولا زالت تنزف وتواجه حرباً "إسرائيلية"؛ بالاغتيالات وحرباً "أميركية - لبنانية" سياسياً واقتصادياً وعالمياً.
حصر دور السلاح بالجبهة اللبنانية والدفاع الوطني لمواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" وتهديد الجماعات التكفيرية وإفشال صفقة القرن الجديدة بضم لبنان الى سوريا.
بعد سبعين عاماً من دعم واحتضان القضية الفلسطينية ومقاومتها، ودفع الأثمان الكبيرة من الشهداء والأرزاق ولعدم القدرة على الإسناد ولوجود ظهير عربي - تركي - إسلامي يمتلك القوة ضد دروز سوريا ،بحجة التعامل مع "إسرائيل"، ونحن ندين أي تطبيع وتعامل مع اسرائيل، لكن المُستغرب ان تشن العشائر العربية حربها على من يتعامل مع "اسرائيل" ولا تشن حربها ضد "إسرائيل" مباشرة.
لم يقتل الدروز أهالي غزة، بل كانوا حلفاء التكفيرين ضد النظام ، فلماذا لا تقاتل العشائر وأهل السنة ،اسرائيل التي تقتل " السنّة" في غزة وعلى الغزاويين ان يقولوا ذلك، قبل أن يعاتبوا من احتضنهم وقاتل معهم طوال 70 عاماً ودفع أغلى الأشياء ، لنصرتهم ومع ذلك أنكروا الجميل وبَخلوا حتى بكلمة شكر او قراءة فاتحة عن روح " السيد الشهيد".
لقد ألقم رئيس الأركان الإسرائيلي "إيال زامبير" افواه اللبنانيين، بالحجارة وصفعهم على وجوههم وسخّف مطالبتهم ،بنزع سلاح المقاومة فقال "إن الأحداث الأخيرة في سوريا، بما في ذلك السويداء، تثبت أن من لا يستطيع الدفاع عن نفسه في الشرق الأوسط لن يتمكن من العيش بأمان وأن المنظمات الإرهابية والعناصر الجهادية تشكل خطراً في كل الجبهات ويجب مواجهتها كما تفعل القوات الإسرائيلية في غزة"، وعلى بعض اللبنانيين العملاء والجبناء ومُحترفي الغدر ان يسمعوا ويطيعوا معلّمهم "الاسرائيلي" ويسمعوا نصيحة قائد جيشه.
ان المقاومة وأهلها لن يتركوا السلاح، بل سيشترونه إن استطاعوا، لكن مع تغيير استراتيجي في دوره ووظيفته ،فالسلاح سيكون محصوراً بساحته الوطنية دفاعاً عن لبنان واللبنانيين ضد "اسرائيل" والجماعات التكفيرية ،فمن أراد من اللبنانيين الشراكة والقبول، فنحن مستعدون لذلك ومن لم يُرِد فلن يغيّر في الأمر شيئاً..
سيبقى السلاح، للدفاع عن أنفسنا وكرامتنا ...
حصريّة السلاح وطنياً... بعد انتفاء مسؤوليته الإقليمية _ د. نسيب حطيط
الإثنين 21 تموز , 2025 02:19 توقيت بيروت
أقلام الثبات

