أقلام الثبات
اندلعت مواجهات مسلحة بين الدروز في السويداء وقوات النظام السوري الجديد، وتدخلت "إسرائيل" لتفرض واقعاً ميدانياً جديداً، فأرسلت رسائل بالنار الى رئيس الإدارة الانتقالية أحمد الشرع. وبالرغم من الوساطة الإقليمية والأميركية، إلا أن الأمور لم تهدأ في ظل حديث عن مجازر وانتهاكات وخطف وقتل عشوائي.
وهكذا، وفي ظل مجازر الساحل التي حصلت سابقاً وتمّ فيها قتل العلويين ومحاولة إبادتهم، وحالياً مجازر السويداء، تخرج من سوريا دعوات للحماية الدولية، ويبدو أن هناك خشية حقيقية على مستقبل سوريا وبقائها دولة موحدة.
سيناريوهات مستقبل سوريا
- السيناريو الأول: عودة سوريا موحدة كما كانت قبل عام 2011
يبدو هذا السيناريو صعباً في ظل التدخلات الدولية والمجازر المتنقلة، وخشية الأقليات على نفسها في ظل انفلات الوضع الأمني وعدم قدرة الحكم السوري الجديد على ضبط الفصائل التي تنضوي ضمن "وزارة الدفاع"، ولا القدرة على ضبط المقاتلين الأجانب، الذين لا يهمهم مستقبل سوريا، ويعتنقون أفكار تكفيرية متطرفة.
ما يمكن أن يلعب لصالح هذا الخيار، هو خشية الدول الإقليمية من فكرة تقسيم سوريا، ورفض معظم مكونات الشعب السوري (أقله علناً) لفكرة التقسيم.
بقاء سوريا موحدة يتطلب:
• إجراء إصلاح سياسي شامل يضمن مشاركة جميع المكونات.
• إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس وطني غير طائفي.
• دعم إقليمي ودولي لاستعادة السيادة السورية على كامل الأراضي.
السيناريو الثاني: تقسيم سوريا إلى دويلات
تدعم "إسرائيل" هذا السيناريو، وتجد أن الفرصة متاحة الآن لتحقيق هدفها الاستراتيجي بإيجاد كيانات طائفية في المنطقة، وتقسيم الدول المجاورة.
أظهرت الأحداث الأخيرة، خصوصاً في الساحل والجنوب، أن واقع "المناطق المنفصلة" بدأ يترسخ واقعياً وميدانياً وحتى لو لم يكن دستورياً. فالإدارة الذاتية الكردية في الشمال الشرقي من الصعب أن تندمج بعد الأحداث التي حصلت في الساحل والسويداء، والسويداء قد تتحول إلى منطقة شبه مستقلة، فيما يزداد الساحل عزلة عن باقي المناطق ويعيش ابناءه لحظة انفصال وجداني سياسي عميق عن الدولة الأم بسبب الإبادة التي حلّت بهم، وحيث لم يتم تحويل أي من المنتهكين الى القضاء بالرغم من الوعود.
هذا السيناريو ليس خيالياً، خصوصاً في ظل اصرار الحكم الجديد على محاولة اخضاع المكونات الأخرى بالقوة والحديد والنار.
السيناريو الثالث: مناطق حكم ذاتي ضمن السيادة السورية
هذا السيناريو يقوم على إبقاء الدولة السورية شكلياً موحدة، مع منح صلاحيات واسعة للمناطق المختلفة لإدارة شؤونها. قد يكون نموذج "اللامركزية السياسية" أو "الفيدرالية" خياراً يوازن بين مطالب المكونات المختلفة والحفاظ على وحدة البلاد.
لغاية اليوم، لا يبدو الحكم الجديد بوارد القبول بهذا الخيار ويصرّ على مركزية الدولة، وخاصة أنه لا يوجد ضمانات بعدم تحوّل هذه المناطق إلى دول مستقلة لاحقاً.
السيناريو الرابع: الكيانات المتناحرة وحرب الكل ضد الكل
في هذا السيناريو تتحول سوريا الى فسيفساء من الكيانات المتناحرة، كل منها يخضع لسلطة أمر واقع وميليشيات مسلحة، دون وجود اتفاق رسمي على التقسيم أو اللامركزية، وتدخل البلاد في احتراب أهلي تتدخل فيه الدول الإقليمية والدولية، ويجعل سوريا ساحة مستباحة للصراعات التي قد تؤدي الى اضطراب في المنطقة ككل.
في النتيجة، ما تمر به سوريا يهدد مستقبلها ككل، لذلك على أي حكم وطني في سوريا إطلاق مشروع وطني جامع، تشارك فيه جميع القوى السياسية والاجتماعية والطائفية والعرقية، يمكن أن يعيد الأمل ببقاء سوريا دولة واحدة لكل أبنائها، خصوصاً إذا تم اعتماد إصلاحات دستورية وسياسية تضمن المساواة، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإنهاء الفوضى الأمنية، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.