أميركا ووحدة الساحات بالحروب المذهبية _ د. نسيب حطيط

الأحد 20 تموز , 2025 12:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بدأت أميركا إشعال الحروب الدينية، لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، بعد نفاد استثمارها للأنظمة السياسية  العاجزة عن تحريك الشعوب وحشدها في خدمة المشروع الأميركي، فاستعادت فتن  التاريخ الإسلامي والمنطقة، واكتشفت أن الحروب الدينية هي أسرع الحروب لتعبئة الناس، مجاناً، حيث تتحكم العاطفة بالمتطوّعين الذين يتنافسون للوصول الى الجنّة قبل غيرهم، وفق عقيدتهم الخاطئة التي تقول ان ثمن التذكرة للدخول الى الجنّة هو عدد الرؤوس التي يقطعونها والضحايا التي يذبحونها، وان تذاكر التقوى والإيمان والعدالة وفعل الخير والأمر بالمعروف تحتاج إلى وقت طويل وأنفس يحبّها الله سبحانه ويهديها الى الصراط المستقيم. 
ان الحروب الدينية ،تاريخياً، ليست حكراً على المسلمين وصراعهم المذهبي او مع الآخرين من الكافرين والمشركين او المرتدين، فقد أنهكت المسيحيين الحروب الدينية ، كما حرب المائتي عام في أوروبا وحروبهم مع الآخرين، وفي مقدمتها الحروب الصليبية، لتحرير القدس من المسلمين، والتي كانت السياسة محرّكها وحتى إسرائيل فإنها تخوض حروبها ،بمفاهيم ومصطلحات وأهداف دينية. 
تخوض أميركا حرباً جديدة بعد حرب "الربيع العربي" التي كانت بين الشعوب والأنظمة ،فبدأت مرحلة الحروب المذهبية والقومية بين الشعوب نفسها وبدأت حرب تقسيم الشعوب إلى عشائر وقبائل وقوميات ومذاهب وطوائف تكفّر وتقتل بعضها ،حتى صار القتال ضد اميركا و"إسرائيل"، أمراً هامشياً وغير عقلاني ومخالف للدين،  وأصبحت مفاتيح الشعوب والحكّام ورجال الدين والسياسة والإعلام وبعض المثقفين ، بيد أميركا وإسرائيل، فتستعين بهم الشعوب والمذاهب والطوائف على بعضها ولحمايتها من مواطنيها وتحوّل الجلّاد الأمريكي والإسرائيلي الى قاضٍ وشرطي، يلجأ اليهما ،ضحاياهما لإنقاذهم من أخوتهم القتلة !
فجأة صار "الدروز" كفّاراً ويجب قطع رؤوسهم وسبي نسائهم وسرقة أرزاقهم مع انهم يشهدون ظاهراً "بالتوحيد" ويشهدون ان محمداً "ص "رسول الله وهذا كافٍ بالمعطى الإسلامي ان يُعاملوا، كمسلمين  ويبقى لله سبحانه الأمر بقبول إسلامهم او تكفيرهم وفجأة عاد البعض لإحياء حروب الردّة - المشبوهة - بقيادة العشائر العربية، بأوامر من "الخليفة الأميركي" وولاته  في بلاد الشام والجزيرة العربية وتركيا، وبعد الإجهاز على "الكفّار الدروز" ستتوجّه "جبهة عشائر الشام" الى "العلويين الكفّار" ثانية، ثم الى "الشيعة الكفّار"، ثم الى "المسيحيين المشركين"  وبعدهم الى السنّة من المذاهب الأربعة المرتدين ،مروراً بالصوفيين الذين يجوز قتلهم وذبحهم أيضاً مع أنهم لا يحملون السلاح.
يظن أكثر العرب والمسلمين  الذين بايعوا أميركا و"إسرائيل"، كما ظن الدروز، أنهم بمنأى عن هذه الحروب الدينية والمذهبية والقومية، لكنهم سيغرقون فيها عاجلاً أم آجلاً ولن نتفاجأ عندما تبدأ حروب "السيخ والبوذيين" ضد المسلمين في دول الخليج وستكون "الغلَبة" لهم لكثرة عددهم وقوتهم وهم يمسكون بكل مفاتيح الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية أو تفرض أميركا، تجنيسهم ، فكما سمح الغرب ،للهندي او المسلم أن يكون  رئيساً لوزراء بريطانيا او نائباً في كندا وأميركا و أوروبا ،يجب ان يكون الهندي او الغربي او السيخ  أميراً او رئيس وزراء او رئيس مجلس النواب في الخليج العربي!
استطاعت أميركا، بخططها الذكية وتخطيطها المدروس، بالتلازم مع غياب العقل العربي ،أن تحشد الشعوب ، لقتال بعضها وإغماض أعينها عن الاحتلال "الإسرائيلي" والغزو الأميركي وان تحصر فتاوى القتل والذبح بالمسلمين بعد تكفيرهم، مذهباً بعد آخر والمشكلة أن من يكفّر المسلمين والمسيحيين يستند الى فتاوى تاريخية لبعض رجال الدين التكفيريين "ابن تيمية" الذي سجنه قضاة المذاهب السنية الأربعة في قلعة دمشق_ ولا يستند الى الأمر الإلهي في القرآن ولا للسنّة النبوية للرسول الأكرم "ص" .
نعيش الآن مرحلة الجهل والضياع، فينصّب كل جاهلٍ تكفيري او لص أو منحرف أو عميلٍ ،نفسه "إلهاً" لا شريك له على الأرض أو وكيلاً عن الله سبحانه - دون تكليف - فيكفّر من يشاء ويقتل ويغتصب ويسرق ما يشاء ثم يعلن، كذباً ونفاقاً وجهلاً وعمالةً، انه يفعل كل هذا، ليتقبله الله الواحد، شهيداً ويرزقه الجنة وحور العين.
لقد دخلنا في النفق المظلم والدموي لحروب المذاهب والتكفير، وبعد عشرية الربيع العربي، بدأنا "عشرية التكفير والحروب المذهبية"، ولن يكون لبنان والعراق بمنأى عن نارها وسيوفها..
فلننتبه.. ونحاصر النار التي بدأت تتمدّد من سوريا ،قبل توسّعها وارتفاع لهيبها... وصراخها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل