السويداء حَكَمت على الجولاني بالمستقبل الأسود _ أمين أبوراشد

السبت 19 تموز , 2025 01:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مواطن درزي من السويداء يتساءل: أية قوات حكومية هذه؟ عتادها ماكينات حلاقة ومقصَّات وسكاكين، وتصدح بالتكبيرات لانتهاك الأرض والعرض والكرامات..
لن نقبل بأي وجود لهؤلاء التكفيريين في جبل العرب وكل أنحاء سورية، ونحن مَن صنعنا الثورة ضد الانتداب  الفرنسي، والجولان على مرمى حجر من هنا لو قرر الجولاني استعادة هيبة ما يعتبرها دولة.
 أما وقد طالب الشيخ حكمت الهجري بفتح معبر آمن بين محافظة السويداء ومناطق سيطرة الأكراد في الشمال الشرقي، إضافة إلى معبر لهذه المحافظة مع الأردن، فهذا يعني بدء إعلان دويلات الحكم الذاتي في سورية انطلاقاً من "دويلة السويداء" أو "جبل العرب" وعاصمتها "قنوات".

صحيح أن الحرب على السويداء، لكن العين بعدها على درعا. والسويداء ليست مجرّد مدينة سورية، بل نقطة ارتكاز في مشروع جغرافي - سياسي أكبر بكثير؛ مشروع يُعرف باسم "ممر داوود"، وهو ممر استراتيجي تسعى "إسرائيل" لتكوينه، يبدأ من الجولان السوري المحتل، مرورًا بدرعا والسويداء، وصولاً إلى منطقة التنف، حيث القاعدة الأميركية، ثم يمتد شرقًا إلى المناطق الكردية ومنها إلى أربيل في العراق، مع ملامسة الحدود التركية.
هذا الممر بطول مئات الكيلومترات يربط "إسرائيل" بالخليج وآسيا الوسطى، ويفتح لها بوابة جديدة نحو أوروبا، وهو قد يُغني "إسرائيل" عن قناة السويس، ويُهدّد خط الحرير الصيني، ويُحوّل "إسرائيل" إلى حلقة مركزية في سلاسل نقل البضائع بين الخليج وأوروبا، خصوصاً بعد إبرام اتفاقية بين موانىء دبي وميناء حيفا، وهذا المشروع جزء من ترتيبات ما بعد التطبيع، حيث تمر البضائع من الخليج إلى الموانئ "الإسرائيلية"، ثم تشحن إلى أوروبا برًا أو بحرًا.

وإذا كانت السويداء تقع مباشرة في قلب هذا الممر، فإنها آخر عقدة ديمغرافية وجغرافية قبل الوصول إلى التنف، ولأنها تُشكّل حزامًا فاصلًا بين الجنوب السوري والمناطق الشرقية، حيث الوجود الأميركي والكردي.

ووجود السُنّة على مقربة من هذا الممر يُعتبر – في العقيدة الأمنية "الإسرائيلية" – عامل قلق دائم، وخشية من نشوء مقاومة مستقبلية، وما يجري في السويداء هو جزء من مشروع جيوسياسي ضخم سيشمل درعا، ويُراد له أن يُعيد رسم خرائط التجارة والطاقة والنفوذ في المنطقة، ومَن لا يرى الصورة الكاملة، سيبقى يظن أن السويداء أزمة داخلية، بينما الحقيقة أنها نقطة أساسية على خارطة "ممر داود".

ونتيجة الترتيبات الأمنية التي توافق عليها الشرع مع "الإسرائيليين"، بمباركة دولية أميركية - فرنسية، وإقليمية قطرية تركية، رشح عن الاجتماعات السورية "الإسرائيلية" قول الشرع: أعطيكم ولاء السنَّة مقابل إعطائي ولاء الدروز، وحصل على عبارة "لا مانع" من "الإسرائيليين"، وما شجّع الشرع على محاولة الحسم العسكري في السويداء هو الانقسام الدرزيّ السياسي والعسكري.

ينقسم دروز سوريا بين ثلاثة مشايخ عقل يشكّلون المرجعيّات السياسيّة لهم. الشيخ حكمت الهجري؛ الأكثر تطرّفاً وتشدّداً تجاه دمشق، ويطالب بحماية دوليّة للدروز. وشيخا العقل حمود الحنّاوي ويوسف جربوع، اللذان يؤيّدان التوافق مع دمشق على الرغم من الحذر من النظام الجديد ومن المآخذ على الإعلان الدستوري والمشاركة السياسيّة في السلطة واحترام الخصوصيّة الدرزيّة.

وعسكريّاً، ينقسم دروز سورية إلى عدّة فصائل عسكريّة؛ قسم منها يؤيّد طروحات شيخَي العقل حمود الحنّاوي ويوسف جربوع، ويؤيّد الحوار مع دمشق، لكنّه يرفض دخول عناصر من هيئة تحرير الشام إلى السويداء، ويوافق على انضمام عناصرها إلى القوى الأمنيّة، على أن يتسلّم الضابطة العدليّة في المنطقة. وقسم ثانٍ من الفصائل الدرزيّة يؤيّد مواقف الشيخ حكمت الهجري، وله مواقف متشدّدة من دمشق، ويصرّ على حماية ذاتيّة للدروز.

وبما أن هناك مقاطعة سياسية من الشيخ حكمت الهجري لحكومة دمشق، اعتمد الشرع في خطوته على توافقات مع الشيخين حمود الحناوي ويوسف جربوع والفصائل الموالية لهما في السويداء، خصوصاً جماعة ليث البلعوس؛ الموالي لسلطة دمشق، وحصلت محاولة الدخول إلى السويداء والمواجهات مع فصائل الشيخ الهجري، الذي بادر إلى طلب الحماية الدولية للدروز، ما أدى إلى تحركات درزية تحت مسمى "الفزعة"، خصوصاً من دروز الجولان والداخل المحتل، والذين تدفقوا إلى الشريط الفاصل مع سورية لمساندة دروز السويداء، ما استدعى إطلاق البدو في المحافظة نداء الفزعة المضادة من العشائر السنية، وحصلت المجازر بين الدروز والبدو في محافظة السويداء وأدى الى "فزعة إسرائيلية" وشعور بالخوف من التداعيات، بعد أن هدد ضباط وجنود دروز الداخل المحتل بالاستقالة من الجيش "الإسرائيلي" ودفع بالحكومة "الإسرائيلية" إلى التدخل الميداني لصالح الدروز، في مواجهة البدو والقوات "الحكومية" التي أرسلها الشرع للسيطرة على المحافظة.

ما أغفله الشرع في هذه المغامرة غير المحسوبة، أن هناك عداوات بين البدو والدروز في السويداء، تعود إلى مرحلة النظام السابق وإلى بدايات الثورة. فالبدو سُنّة يقيمون منذ عقود في محافظة السويداء، وهم غالبيّة في محافظة درعا التي اندلعت منها شرارة الثورة السوريّة في 2011، ويروي أحد قيادات المجلس الوطنيّ السوري، أن الحذر واجب من الحساسية الطائفية بين البدو والدروز، لاسيما بعد التردد الدرزي في الانضمام إلى الثورة عام 2011، والمجازر التي حصلت وتحصل الآن في السويداء بين البدو والدروز بقرار متهوِّر من الشرع، فتحت ملفات ثأر طائفي لن تنتهي في عقود قادمة، وحسب السويداء المنكوبة المحاصرة، أن فتحت ملف الجولاني وحكمت عليه بمستقبلٍ أسود.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل