أقلام الثبات
تتعرّض المقاومة وأهلها لحملة ترهيب وخداع، للحصول على مطلبٍ عَجز العدو طوال 40 عاماً من تحقيقه، يتمثل في نزع السلاح واجتثاث المشروع المقاوم على جبهة لبنان، لتسهيل تنفيذ مخطّطاته المرسومة قبل تأسيس الكيان واحتلال فلسطين، والـتي تحدّد حدود "إسرائيل" فلسطين الى نهر الأولي صعوداً الى جبل الشيخ.
يطرح الوسيط الأميركي والمسؤولون الرسميون اللبنانيون، خطة لتسليم السلاح، مقابل عناوين رنّانة وجوفاء، وإظهارها كثمن كبير يدفعه العدو، مقابل ربحه للتطبيع والسلام وإعدام المقاومة، ويتم تضخيم هذا الثمن من خلال التعهد بالانسحاب من النقاط الخمس التي لا تشكّل مساحة جغرافية كبرى، وإطلاق سراح 11 أسيراً مدنياً ومقاوماً، والتعهد ببحث إعادة الإعمار!
هذه العناوين تمثّل ثمناً بخساً لمقايضتها بالمشروع المقاوم في لبنان وإقرار التطبيع والسلام دون أي ضمانات موثوقة ومأمونة.
ونسأل: ما هي الضمانات كي لا يعود العدو لاجتياح لبنان، كما فعل أكثر من مرة قبل ولادة المقاومة اللبنانية؟
ما هي الضمانات كي لا يخطف ويأسر العدو المئات، كما يفعل كل يوم؟
هل قايضتم السلاح بوقف الاغتيالات والقصف؟
هل قايضتم السلاح بوقف طائرات التجسس وإنذارات الإخلاء، والتي وصلت حتى الى الصرّافين، وربما ستصل الى الأطباء والإعلاميين؟
هل ستقايضون السلاح بالقرارات الدولية وبالدبلوماسية السياسية التي لم تستطع تحرير الجنوب بعد اجتياح 78 طوال 22 عاماً، ولم تمنع اغتيال 200 مقاوم مدني ومئات الجرحى منذ وقف إطلاق النار؟
هل حصلتم على ضمانات ألا تهاجمنا الجماعات التكفيرية من سوريا، مع بعض الأحزاب اليمينية، ويمكن بعض الأحزاب التي كانت يسارية؟
هل اقتنعتم الآن بأن "إسرائيل" لم تعد ذئباً وصارت "حمامة سلام" وملتزمة بالمواثيق والقرارات الدولية، وهي التي أعلنت أن حربها مستمرة لتغيير معالم الشرق الأوسط وتأسيس "إسرائيل الكبرى"؟
هل بتنا مطمئنين الآن بأن "إسرائيل"، التي لا زالت تقتلنا، لن تهاجمنا بعد تسليم السلاح؟
قرار تسليم السلاح ليس محصوراً بالدولة اللبنانية، بل هو قرار يشارك فيه كل المقاومين اللبنانيين، والطائفة المقاومة التي يقتلها العدو "الإسرائيلي" ويقصفها ويدمر بيوتها ويحتل قراها منذ 70 عاماً.
قرار تسليم السلاح دون وجود ضمانات مأمونة وموثوقة وعقلانية، تشكّل "نسخاً" وإلغاءً للمشروع المقاوم للإمام الصدر، وتلغي مبرّر تأسيسه لأفواج المقاومة اللبنانية للدفاع عن لبنان، وتلغي مبرّر استمراها.
قرار تسليم السلاح هو "نسخٌ" وإلغاء للمشروع الفكري المقاوم الذي أسّسه الإمام الخميني لتحرير القدس، واستشهد في سبيله آلاف الشهداء، ويلغي مبرر تأسيس الحزب والمقاومة الإسلامية اللذين تشكّلا نتيجة الاجتياح "الإسرائيلي" عام 82.
تسليم السلاح اعلان "حلّ" الحركة والحزب!
تسليم السلاح بدون ثمن واقعي يؤمّن حماية الجنوب ولبنان، سيعيد مشهديه إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان في البواخر الى اتفاقيات "أوسلو"، وضياع القضية القضة الفلسطينية.
من يوقّع على تسليم السلاح مقابل الوهم والسراب فليحزم حقائبه للخروج من التاريخ والجغرافيا، وربما من العقيدة.
من يوقّع على تسليم السلاح بلا ضمانات موثوقة وآمنة وملموسة، هو آثم وشريك في قتل وإذلال أهله الذين سيكونون ضحية المجازر بعد تسليم السلاح.
من يوقّع على تسليم السلاح فهو يعترف باتفاق 17 أيار بمفعول رجعي، ويعترف بخطأ المواجهة، ويسخّف شهادة من قاوَم.
لا تقايضوا السلاح بالوهم والسراب، فتكونوا ضحايا الخديعة والتضليل والترهيب، حتى لا تضيّعوا دماء من استشهدوا طوال 70 عامًا، وتغتالوا مستقبل الأجيال المقبلة.
فلينزعوا سلاحكم بالقوة ولا تسلّموه طواعية، فعلى الأقل يمكنكم إلحاق الخسائر بالعدو، وربما تنتصرون، مهما كان الثمن غالياً فلن يكون أغلى من ان تكونوا عبيد والتطبيع والسلام المخادع، وتسخّفوا كل أدبياتكم التي صرختم بها ضد المطبّعين والمستسلمين.
لا تسلموا السلاح واجعلوه وقفاً شرعياً للمسلمين، حتى يقاتل به من يستطيع.
لم يسلّم الإمام الحسين (عليه السلام) سلاحه، ولم يكن معه من الخيول أكثر من ثلاثين، وبقي يقاتل حتى الاستشهاد.
آلاف الشهداء الإضافيين - إذا اضطررنا - ربما تحفظ دماء آلاف الشهداء الذي سبقونا، وتحفظ مستقبل أبنائنا.
لا لمقايضة السلاح بالوهم والسّراب ــ د. نسيب حطيط
الإثنين 30 حزيران , 2025 12:01 توقيت بيروت
أقلام الثبات

