مقالات مختارة
تمرّ المفاوضات حول الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران بمرحلة معقدة ومتغيرة، وتشهد تحديات كبيرة، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية لإنجاحها وحصاد نتائجها لكلا الطرفين (الأمريكي والإيراني)، لأن فشلها قد يُدخل المنطقة كلها في متاهات مظلمة.
إن المحادثات غير المباشرة لا تزال مستمرة بوساطة سلطنة عمان، حيث شهدت روما مؤخرًا عدة جولات من هذه المحادثات.
فالولايات المتحدة تدفع نحو اتفاق شامل مع إيران، مع تهديدات بشن ضربات عسكرية إذا فشلت الدبلوماسية، أي بمبدأ التفاوض تحت الضغط، رغم ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى تفاؤلاً حذرًا بشأن إحراز تقدم في المحادثات، مشيرًا إلى "وجود فرصة" وتجنب "السقوط الى الهاوية".
كذلك إيران منفتحة على التسوية، حيث أبدت انفتاحها على التوصل إلى تسوية بشأن برنامجها النووي، لكنها تصر على أن تخصيب اليورانيوم لا يزال غير قابل للتفاوض، مشيرة إلى أن واشنطن تتفهم هذا الموقف، وعليه أعلنت إيران أنها قد تجيز زيارة مفتشين أمريكيين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواقعها النووية في حال تم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن.
الا ان هناك عدة تحديات أمام الاتفاق، فهناك شكوك حول مدى جدية الولايات المتحدة، وتساؤلات حول المواقف المتناقضة للمسؤولين الأمريكيين، مما يثير استياء طهران، لتظهر عدة عقبات رئيسية:
أولاً تخصيب اليورانيوم:
اصرار الإدارة الأمريكية على تصفير التخصيب، أي منع إيران من تخصيب اليورانيوم داخل البلاد، ولو بنسبة 1%، الامر الذي ترفضه طهران، وتصفه بأنه "خط أحمر"، وتؤكد على حقها في التخصيب السلمي باعتباره إنجازاً علمياً وطنياً.
ثانياً البرنامج الصاروخي:
تصر الدول الأوروبية (خصوصاً فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) على إدراج البرنامج الصاروخي الإيراني، لاسيما الصواريخ الباليستية، ضمن المحادثات، غير ان طهران ترفض مناقشة برنامجها الصاروخي، معتبرة إياه دفاعياً وغير قابل للتفاوض ايضاً.
ثالثاً العقوبات الأمريكية:
إيران تعرب عن استيائها من استمرار العقوبات الأمريكية، وتعتبرها تقوض جهود بناء الثقة وتثير تساؤلات حول جدية واشنطن في الدبلوماسية، الا ان واشنطن واجهة هذا الاستياء بفرض عقوبات إضافية على قطاعي النفط والغاز في إيران مؤخراً، مما زاد من تعقيد الموقف.
رابعاً شفافية التفتيش:
منذ عام 2021، منعت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش مواقع غير نووية، ما قلص من فهم الوكالة لقدرة إيران على تطوير برنامجها، فاعتبر غموض حول مخزون إيران من أجهزة الطرد المركزي، ما يجعل من الصعب ضمان التزامها بأي قيود مستقبلية على التخصيب. كما ان إيران بمكان ما تعتبر ان الوكالة منحازة للإدارة الامريكية وتعتبر جزء من مهامها قد يكون استخباراتي.
خامساً الموقف الإسرائيلي:
إن "إسرائيل" تعارض أي اتفاق لا يضمن بشكل كامل منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وتعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا, رغم إن الولايات المتحدة تضع "إسرائيل" في صورة هذه المفاوضات.
لذلك يُعتبر عام 2025 حاسمًا لبرنامج إيران النووي وأمن منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً مع اقتراب انتهاء أمد الاتفاق الحالي في أكتوبر 2025.
اذ ان الخيار العسكري قائم من خلال تهديدات واشنطن بشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية قائمة إذا فشلت الدبلوماسية.
كذلك تفعيل آلية "سناب باك", حيث تخشى طهران من تفعيل آلية "سناب باك" من قبل الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) هذا الصيف لإعادة فرض العقوبات الأممية، بسبب تجاوز إيران نسبة تخصيب 60% وتراكم مخزونها، الا ان تفعيل "سناب باك" التي حذر وزير الخارجية الإيراني من أن تفعيل هذه الآلية سيؤدي إلى عواقب وخيمة، منها إنهاء دور أوروبا في الاتفاق وتصعيد خطير في التوترات.
الوضع معقد للغاية، والمفاوضات تسير ببطء وسط تحديات كبيرة. تصر كل من الولايات المتحدة وإيران على "خطوط حمراء" معينة، ما يجعل التوصل إلى اتفاق شامل صعبًا، رغم الوساطات الإقليمية والدولية المستمرة في محاولة لتقريب وجهات النظر وتجنب أي تصعيد عسكري.
إن المباحثات النووية بين إيران والولايات المتحدة قضية محورية تؤثر بشكل كبير على المنطقة بأسرها، خصوصاً دولة الاحتلال. تثير هذه المباحثات، سواء تقدمت أو تعثرت، مخاوف وتوقعات مختلفة لدى الأطراف المعنية، حيث تشعر "إسرائيل" بقلق بالغ من أي اتفاق نووي يسمح لإيران بالاحتفاظ بقدرات تخصيب اليورانيوم، حتى لو كانت لأغراض مدنية، وتخشى أن يكون ذلك غطاءً لتطوير سلاح نووي يشكل تهديدًا وجوديًا لها.
لذلك تشدد "إسرائيل" على أن الخيار العسكري هو الخيار الوحيد لوقف البرنامج النووي العسكري الإيراني، وفي حال التوصل لاتفاق ترى أنه لا يضمن تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل، فقد تلجأ إلى عمليات عسكرية منفردة, وهناك تقارير تشير إلى أن "إسرائيل" قامة فعلياً بعمليات غير معلنة, وتجري استعدادات لضرب منشآت حيوية للبرنامج النووي الإيراني, وعليه تسعى للتأثير على الموقف الأمريكي في المفاوضات، وتضغط لعدم توقيع اتفاق يسمح لإيران بالحصول على قدرات نووية.
لكن البعض يرى أن الاتفاق النووي يمكن أن يؤدي إلى استقرار في المنطقة من خلال احتواء البرنامج النووي الإيراني تحت رقابة دولية صارمة، مما يقلل من احتمالية المواجهة العسكرية, فرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيعزز اقتصادها وقدراتها، مما قد يسمح لها بزيادة الإنفاق على برامجها الإقليمية أو تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها وتفرغها للبناء والتطوير كذلك دول الخليج غير بعيدة عما يجري فهي تراقب المباحثات بقلق، وتأمل في التوصل إلى اتفاق يضمن أمنها ولا يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي, غير أن بعض هذه الدول قد ترى في الاتفاق فرصة لتهدئة التوترات وتحسين العلاقات مع إيران، بينما البعض الآخر قد يرى فيه تهديدًا لأمنها، وهنا تتقاطع هذه الرؤية مع الموقف "الإسرائيلي" ويشجعهم لتنسيق الأمني فيما بينهم.
يعتقد البعض أن أي اتفاق قد يؤثر على ديناميكيات الصراعات الإقليمية التي تتدخل فيها إيران، مثل اليمن والعراق ولبنان وغزة. قد يؤدي إلى تخفيف حدة هذه الصراعات إذا ما التزمت إيران بضبط النفس، أو قد يزيد من حدتها إذا ما شعرت إيران بمزيد من القوة.
بغض النظر عن نتيجة المباحثات، فإن الدول الإقليمية ستسعى للحصول على ضمانات دولية بخصوص سلمية البرنامج النووي الإيراني وعدم تهديد أمنها.
يمكن القول إن المنطقة "رهينة" لنتائج المباحثات النووية بين إيران وأمريكا إلى حد كبير، وذلك لعدة أسباب:
التهديد الوجودي "لإسرائيل": ترى "إسرائيل" أن البرنامج النووي الإيراني إذا لم يتم كبحه بشكل فعال، يشكل تهديدًا وجوديًا لها، وهذا يدفعها للضغط بقوة على الولايات المتحدة لتبني موقف متشدد، أو التلويح بخيار عسكري منفرد إذا رأت أن الاتفاق لا يلبي مخاوفها الأمنية. أي تصعيد عسكري "إسرائيلي" ضد إيران سيكون له تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.
توازن القوى الإقليمي: البرنامج النووي الإيراني وما يترتب عليه من رفع أو إبقاء للعقوبات يؤثر بشكل مباشر على قوة إيران الاقتصادية والعسكرية. هذا بدوره يؤثر على توازن القوى في المنطقة، خصوصاً بين إيران ودول الخليج. أي اتفاق قد يُنظر إليه على أنه يعزز نفوذ إيران قد يدفع دولًا أخرى إلى إعادة تقييم تحالفاتها وسياساتها الأمنية، وربما السعي لامتلاك قدرات نووية خاصة بها، وهذا طرح خلال زيارة الرئيس ترامب للخليج.
الصراعات الإقليمية: إيران لها نفوذ كبير وتدعم قوى المقاومة في المنطقة (اليمن والعراق ولبنان وفلسطين), فنتائج المباحثات، سواء بالتوصل إلى اتفاق أو الفشل، ستؤثر على قدرة إيران على تمويل ودعم هذه الأطراف، وبالتالي على مسار هذه الصراعات, فرفع العقوبات مثلاً سيعطي إيران قدرة مالية أكبر، مما قد يزيد من دعمها لحلفائها في المنطقة.
الاستقطاب والتحالفات: الموقف من الملف النووي الإيراني يحدد إلى حد كبير التحالفات والاصطفافات في المنطقة. دول مثل "إسرائيل" وبعض دول الخليج تشكل جبهة موحدة تقريبًا ضد البرنامج النووي الإيراني، بينما تحاول دول أخرى مثل سلطنة عمان التوسط والتهدئة. نتائج المباحثات ستعزز أو تضعف هذه الاصطفافات، وتؤثر على ديناميكية العلاقات بين هذه الدول.
الخيار العسكري: الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي يمكن أن يزيد بشكل كبير من احتمالات المواجهة العسكرية، سواء كانت ضربات "إسرائيلية" منفردة، أو تصعيد بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها. هذه المواجهة سيكون لها عواقب وخيمة على أمن واقتصاد المنطقة بأكملها.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن دول المنطقة ليست مجرد متلقين سلبيين. فهي تسعى جاهدة للتأثير على مسار المباحثات، وتجري حوارات مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى، وتتخذ خطوات لتحسين أمنها، سواء من خلال بناء تحالفات أو تعزيز قدراتها الدفاعية. بعض الدول، مثل السعودية والإمارات، تسعى أيضًا إلى مسارات دبلوماسية خاصة بها مع إيران لتهدئة التوترات، بغض النظر عن مسار المباحثات النووية.
لكن في نهاية المطاف، فإن القضية النووية الإيرانية هي في صلب الأمن الإقليمي، ونتائج المفاوضات حولها تحدد إلى حد كبير طبيعة المخاطر والفرص في المنطقة على المدى القريب والمتوسط وترسم مستقبل المنطقة وخارطتها.
حمزة حسين