إلى وزارة التربية في لبنان: من يحمي طلابنا؟

الثلاثاء 27 أيار , 2025 01:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

ما حصل في إحدى الثانويات الرسمية في طرابلس لا يمكن اعتباره حادثة عابرة أو خطأً إدارياً بسيطاً. ما جرى هو اختراق صريح وخطير للمؤسسة التربوية، واعتداء موصوف على القيم التعليمية والاجتماعية، جرى تمريره بكل بساطة تحت مظلة وزارة التربية، وبتوقيع رسمي يسمح بدخول أفكار ومحتوى لا يمت بصلة إلى المناهج ولا إلى بيئة طلاب لم يبلغوا بعد النضج الذي يؤهلهم لمثل هذا الخطاب.

في دولة تعاني من تصدع في ثقتها بمؤسساتها، لا يجوز لوزيرة التربية أن تكتفي بسحب المادة وإيقاف البرنامج. هذه إجراءات سطحية أقرب إلى ذر الرماد في العيون، خصوصًا أنها لم تترافق مع أي إعلان صريح عن محاسبة من وقّع، ومن نسّق، ومن سمح، ومن صمت.

الفضيحة ليست فقط في المحتوى المقدم، بل في الآلية التي تم بها خرق المدرسة: دخول سيدتين إلى الصفوف على أساس انتمائهما إلى مؤسسة أكاديمية مرموقة، ثم استخدام ذلك الغطاء لتقديم مادة تتضمن محتوى صادمًا للطالبات، من دون علم الأهالي، ولا إشراف تربوي، ولا حتى وجود معايير مهنية تحكم ما عُرض ووزّع.

أي بيئة تربوية هذه التي يُسمح فيها لمندوبين مجهولين بالتحدث إلى المراهقين عن مواضيع حساسة من دون تحضير نفسي، أو سياق تعليمي، أو إشراف أكاديمي مختص؟ من المسؤول عن هذا التسيّب؟ وهل باتت المدارس الرسمية حقل تجارب مفتوحًا لكل من يحمل شعارًا براقًا أو اسم جمعية ممولة؟

الوزيرة، بصفتها الحامية الأولى للمدرسة اللبنانية، تتحمل كامل المسؤولية عمّا حدث. كان الأجدى بها أن تخرج لتعتذر من الطلاب والأهالي، لا أن تلوذ ببيان فضفاض لا يسمي أحدًا ولا يشرح شيئًا. فهل يكفي وقف البرنامج من دون فتح تحقيق شفاف ومحاسبة صريحة؟ وهل أصبح دخول المدارس متاحًا لمن يشاء، ما دامت الورقة مختومة بشعار الوزارة؟

ما جرى ليس خطأ إداريًا، بل خلل في المفهوم التربوي ذاته. إنه استهتار بأمانة التعليم، وتفريط بأخلاق المسؤولية، وتطبيع خطير مع فوضى الجمعيات التي تدخل البيوت من أبواب المدارس.

المجتمع اللبناني، بكل تنوعه، لا يرفض الانفتاح ولا التثقيف، لكنه يرفض الوصاية الفكرية، وفرض الأجندات تحت عناوين براقة. التربية ليست ساحة صراع بين القيم، بل مساحة توازن دقيقة، ومن لا يعرف ذلك لا يستحق أن يتولى حقيبتها.

آن الأوان لمساءلة الوزيرة لا على ما حصل فقط، بل على صمتها، وتراخيها، وتغاضيها عن محاولات تمرير مشاريع مشبوهة تحت ستار "التطوير". فالمدرسة الرسمية ليست ملكًا لأحد، ولن تكون ساحة لأي جهة تعبث بعقول أبنائنا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل