خاص الثبات
في تصريح مستغرب يفتقر إلى الحكمة والتاريخية، خرج علينا من يُفترض أنه رئيس حكومة – ورجل دولة – ليعلن أن "عصر تصدير الثورة الإيرانية قد انتهى". هذا الكلام لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الجحود، أو قلة الإدراك، أو أسوأ من ذلك: الانصياع لأجندات خارجية لا تريد الخير لا للبنان ولا للمنطقة.
الثورة الإسلامية في إيران، التي انطلقت عام 1979 بقيادة الإمام الخميني قدس سره، لم تُصدِّر سلاحاً أو مرتزقة، بل صدّرت فكراً ونهجاً. هذا الفكر أعاد للناس ثقتهم بأنفسهم، وذكّر الشعوب المقهورة بقدرتها على المواجهة والصمود، وأحيا فيهم روح الكرامة. الثورة لم تكن "مشروع بندقية"، بل كانت مشروع وعي وهويّة، مشروع "نحن قادرون".
لبنان، أكثر من غيره، يعرف معنى هذا الكلام. لولا دعم الجمهورية الإسلامية – السياسي، المعنوي، والإيماني قبل أي شيء آخر – لما تحقّق في هذا البلد أهم إنجاز سيادي في تاريخه المعاصر: تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 دون قيد أو شرط. هذا التحرير لم يكن نتاج صفقات ولا تواقيع على العواصم الغربية، بل كان ثمرة مقاومة نمت في تربة مرويّة بالدم والتضحيات، وسُقيت من فكر الثورة ونهجها.
وعندما قال الإمام الخامنئي عام 1993:
"يطالبنا البعض بأنْ لماذا تصدرون ثورتكم؟ ونحن نقول له في معرض الرد: إننا لا نصدر ثورتنا، بل إنّ ثورتنا صُدّرت وانتهى الأمر!"
فهو لم يكن يُخاطب الغرب فقط، بل كان يُخاطبنا أيضاً – نحن أبناء المنطقة – لنفهم أن تصدير الثورة ليس شحنات تُرسل ولا دبابات تُنقل، بل هو فكرة، ومتى اقتنع بها الناس صارت واقعاً لا يمكن إلغاؤه بتصريح.
فيا دولة الرئيس، قبل أن تُنهي "عصر تصدير الثورة"، حبّذا لو تنهي عصر الذل والانهيار، حيث المواطن في لبنان يبحث عن ساعة كهرباء أو جرعة دواء أو فرصة عمل.
حبّذا لو تتحدث عن مشروع بناء، لا عن إسقاط مشاريع عزّة.
حبّذا لو تفهم أن من ينتقد الثورة لأنها "تُصدّر" إنما يفضّل استيراد الإذلال من عواصم القرار الغربي، لا كرامة من شعوب قررت أن تنهض.
أما نحن، فلو صُدِّرت لنا الثورة فعلاً – بكل عناصرها: فكرها، صناعتها، استقلال قرارها، قدراتها النووية، وكرامتها – لكان لدينا كهرباء من مفاعل، لا من محاصصة.
ولما كنّا ننتظر هبات من هنا وهناك لنضوي ساعتين ونُطفئ كرامة شعب بأكمله.
فليحفظ الله الثورة التي لا تموت، ولتبقَ بندقيتها رمزيةً، وفكرها متجدداً، وكرامتها نبراساً… في زمن السقوط الحرّ لبعض "القيادات".